مستغرقا لجميع الأفراد ، قطعا لمادة فسادهم ، وإفسادهم ..
أو يقال : إن من الممكن أن يكون تكرر نفس طلب الآثم والكفور من قبل أفراد آخرين ، قد صحح أن يخبر عن جماعتهم بصيغ الجمع هنا ، وأن يقول لنبيه هناك : لا تطع هذا الذي يعرضه عليك الآثم والكفور ..
أو يقال : إنه يريد أن يشير إلى أن هؤلاء الأفراد إنما يطلبون منك ذلك ، لا من عند أنفسهم بل هم متواطئون مع غيرهم على مواجهتك بمثل هذه المطالب.
«هؤلاء» :
ولعلك تسأل : لماذا أتى بكلمة هؤلاء التي تستعمل للإشارة ، ولم يقل : إنهم يحبون ..
وقد يجاب عن ذلك : بأن المقام مقام التحقير ، والاستهانة بهؤلاء المنحرفين ، وقد أريد أن يؤتى بكلمة تتوافق مع هذا الأمر ، وتتناغم معه .. وكلمة هؤلاء إذا وردت في مقام المهانة والاستهانة فإنها تستبطن تحقير المشار إليهم ، والاستخفاف بهم ، وتصغير شأنهم. لأن القريب ، يهمل أمره ، ويحتقر ، حيث إنه لا يعتنى به لابتذاله ، ودنو مرتبته ، وسفالة درجته ، أما من يكون له قدر عال ، فيحتاج الوصول إليه إلى وسائط أكثر ، وإلى معاناة أشد ، ومنه قوله تعالى : (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ..) (١) (قبّح الله من قال هذا من المشركين وغيرهم).
والأمر ههنا أيضا كذلك ، فإن وصفهم أيضا ، بأنهم يحبون العاجلة ، ويذرون وراءهم يوما ثقيلا ، يشير إلى أنهم في موقع المهانة والحقارة ،
__________________
(١) سورة الأنبياء الآية ٣٦.