«قدّروها» :
وإن دقة الصنع وحسن هندسة الشيء ، ومطابقة المراد والمطلوب للضوابط ، لهو أمر ترتاح له النفوس ، وتلتذ به الأرواح ، سواء أكان ذلك الضبط والدقة في ناحية المضمون ، ـ وتركيبة العناصر ، والتقدير للنواحي الهندسية ـ ، أم كان تقديرا لما يوضع فيها ، من حيث اشتماله على المقادير المطلوبة في الطعم ، واللون ، والرائحة ، والاشتداد ، والانسياب ، واللزوجة ، وغيرها من صفات ..
وأما لماذا لم يقل : قدّرت تقديرا ، بل قال : «قدّروها» فلعله لأجل إظهار الاهتمام بالدلالة على فاعل هذا التقدير ..
ثم أكد الفعل بالمصدر ، فقال : «تقديرا» ربما للتدليل على أن هذا التقدير قد جاء عن قصد ، وعناية ، واستجابة لمقتضيات واقعية ، تدخلت في صنعها إرادات للأبرار ، وهي التي فرضت هذه الأشكال ، والأحجام ، والمسافات ، والحالات على ما هي عليه ..
ولو أنه قال : قدّرت ، فلعله يفهم من ذلك : أن الجنة قد خلقت وفق هندسة معينة ، بغص النظر عن إرادات وأفعال العباد ، وأن الله يريد أن يسكن فيها من أطاعه ، لكي يستفيدوا منها ، على ما هي عليه ، من دون أن يكون لهم أي دور أو اختيار في هندستها ، وصنعها ، وطبيعة تكوين الأشياء فيها ..
الضمير في «قدّروها» :
وقد قال : قدروها ، والظاهر أن الضمير عائد إما إلى الملائكة ، أو إلى الأبرار ، ولعل هذا هو الأنسب ، إذ لا حديث عن غيرهم ، ولا يصح إرجاع الضمير إلى لفظ الجلالة ، لأنه ضمير جمع .. ولا إلى الولدان المخلدين ،