والشهادة ، ولذلك كانت تنزل الآيات في السورة قبل حدوث أي شيء ، ويقرؤها النبي على الناس ، ثم تأتي الأحداث ، ويرى الناس كيف أن الآيات السابقة تنطبق على هذا الحدث اللاحق.
فكيف يجوز لمن يرى ذلك أن يتردد في اختيار الإيمان؟ أو كيف لا يكون صبر رسول الله صلىاللهعليهوآله ، في هذه الحالة أعظم وأجلّ من أن تدركه العقول ، وتناله الأفهام؟!.
خصوصا مع إدراكنا : أن صبره صلىاللهعليهوآله نابع ـ بالدرجة الأولى ـ من أعماق ذاته ، ومن حقيقة طهره ، وكونه إنسانا إلهيا كاملا ، متصلا بالله ، ومتكل عليه في كل أموره.
وكيف لا يتضاعف هذا الصبر يوما بعد يوم ، وحتى لحظة بلحظة؟!.
وبعد هذا فإننا نستطيع أن نعرف بعض السر في عطف الكلام عن مجراه السابق ، إلى الكلام عن تنزيل القرآن.
«نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً» :
ومن أهم فوائد هذا البيان الإلهي لكيفية نزول القرآن ، ومطابقة الآيات لما يحدث في المستقبل : أنه يهيء للقباعة الوجدانية ، وطمأنينة القلب ، والسّلام والرضا في النفس من خلال إعطاء الدليل الملموس على صدق وحقّانية البيان الذي قدّمه .. والقضايا إذا استندت إلى الدليل ، فإنها تصبح أشد رسوخا ، وأعظم أثرا في نشوء وترسيخ حالة الصبر والتحمل للمصاعب والمتاعب.
وقد قلنا : إنه تعالى قد أشار إلى هذا الربط بين النزول التدريجي للقرآن ، وبين أثر ذلك في تحقيق الصبر النبوي صلىاللهعليهوآله ، حين فرّع الأمر بالصبر ؛ بالفاء ، فقال : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) ..