وإعلانا بهذا الإكرام الإلهي .. إنها جلسة تعبر عن الحقيقة ، فلا تصنّع فيها ، ولا يرى نفسه بحاجة إلى أي تظاهر بغير الواقع ، وليست هي جلسة استكبار وجبروت ، كما هو حال الفراعنة والجبارين ..
إنها الحالة الطبيعية ، والعفوية وفيها يتجلى انسجام هؤلاء الأبرار مع كمالاتهم ، ومع كرامة الله لهم ، فهم إذن لا يحتاجون إلى ذلك التصنع ، ولا إلى الاستكبار ، فإنهم الذين يملكون اللذة ولا تملكهم. وهم يدركون أن لذة الاستكبار ، ممزوجة بالخوف من السقوط ، ومن سوء العواقب. أما لذتهم هم فهي العاقبة لهم ، وهي المصير.
«فيها» :
وتأتي كلمة «فيها» بعد كلمة متكئين مباشرة ، حيث قال : (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ) ولم يقل : «متكئين على الأرائك فيها» .. فيرد سؤال عن سبب هذا التقديم لكلمة : «فيها»؟! ..
وقد يكون الجواب هو : أنه إنما قدم كلمة «فيها» لكي لا يحصل أي شعور بانفصال عن الجنة ، ولو بمثل حد السيف ، حتى في مجال التخيل ، والتصور والوهم ، أو الإحساس العابر. وبذلك تتم لهم اللذة التصورية الفكرية الروحية ، ولا تهتز تلك الطمأنينة التي تتمثل بالحديث عن الاتكاء.
«الأرائك» :
والسؤال هنا هو : أنه تعالى قال : (عَلَى الْأَرائِكِ) ، ولم يقل على الكراسي ، أو المقاعد ، كما أنه لم يقل : «على العروش» ، فإذا كانت كلمة مقاعد وكراسي لا توحي بشيء سوى التجافي عن الأرض ، فإن كلمة العرش تفيد معنى السلطنة ، والهيبة ، والعظمة ، والقدرة ..