لماذا هذه التفاصيل والدقائق؟ :
ونحن إذا نظرنا إلى هذه الآيات القليلة ، من بداية السورة ، وإلى هنا ، نجد أنها قد تناولت الإنسان موضوعا ، وتحدثت عنه وعن نشأته وحياته ، بشمولية ودقة ، لا حدود لهما ، وبينت إلى أي مدى تصل حساسية هذا الموضوع ، وأن أهميته هي بحجم الإنسان نفسه ، الذي انطوى فيه العالم الأكبر ..
فبدأت السورة بالحديث عن التكوين المادي ، والمعنوي ، والعقلي ، والمشاعري ، وغير ذلك. في بضع آيات استهلها الله تعالى بإثارة السؤال الكبير : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ..) وهو استفهام يراد به الإنكار ، ليتوصل من خلاله إلى التأكيد على أن الإنسان لم يزل موضع الاهتمام والرعاية الإلهية .. مستدلا على ذلك ، بما ظهر من بديع خلقة الإنسان ، الذي أودعت فيه قوى ينشأ عن احتكاكها بالواقع من حولها ابتلاء ، ثم بلورة ونمو ظاهر في أسباب العلم ووسائله ، حيث أصبح بسبب ذلك شديد السمع ، حديد البصر ، وهذه الوسائل هي التي تمكنه من إدراك الحقائق ، ليصبح السبيل ـ الذي يفترض فيه أن يسلكه لنيل الأهداف الكبيرة ـ ظاهرا وواضحا له ..
وهذه الوسائل هي تلك الهدايات الإلهامية ، والفطرية ، والحسية ، الظاهرية منها ، والباطنية ، والعقلية ، والتشريعية التي أشرنا إليها أكثر من مرة ..
ثم هو قد أعطاه الاختيار .. حتى إذا اختار طريق الخير ، فكان من أهله ، فإنه يستطيع أن يشرب ما أمكنه من كأس ؛ مزاجها الكافور الذي يفيد في إصلاح وإبعاد الشوائب ، التي قد تعلق بعمل الخير ذاك ، ويسهم في تنقيته وتصفيته ، وإعداده بالصورة الصالحة ..
وتلك الكأس هي مصدر للخير لا ينضب ، وهو كفيل بصناعة