فالقطوف تتمنع بحسب طبعها ، وللتغلب على هذا التمنع لذة ونشوة. ولذلك تجد أنه لو جيء لك بقطف لتأكله ، فإنك لا تهتم له ، ولا تلتذ به بمقدار ما لو قطفته أنت عن الشجرة.
وبذلك يكون الله سبحانه قد بيّن لنا : أن في الجنة لذة التذليل ، ورؤية حالة الانقياد بعد الاستعصاء والتمنع.
«تذليلا» :
وفائدة الإتيان بالمفعول المطلق هنا هو التأكيد على معنى التذليل ، وهي لذة السيطرة والتمكن من الطبيعة. الأمر الذي كان يعجز الإنسان عنه في الدنيا ..
إن النعيم في الآخرة ، ليس بأكل تلك القطوف ، بل هو بالتغلب على امتناعها .. وهو ما كان يطمح له في الدنيا ، ويسعى للحصول عليه ، فكان يخترع له الآلات ، ويهيء الأموال ليستخدمها في ذلك التذليل (١) أما في جنة الآخرة ، فقد أصبح كل شيء مذللا ، فلا يحتاج إلى جهد ، وقد سقط نظام الوسائل بكلمة واحدة هي : (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) ، لأن نظام الجنة يختلف عن نظام الدنيا.
* * *
__________________
(١) إن الأعمال في الدنيا منصبة بصورة عامة على هذا الأمر بالذات ، فالإنسان يطلب الولد ، ويستفيد من الوسائل الموصلة إليه ، ويطلب المال فيتوسل له بالبيع والشراء ، مثلا ، ويطلب الحب والثمر فيتوسل له بالزراعة ، ويطلب الشفاء ، فيستخدم العلم والمال للحصول عليه ، ويطلب الانتقال ، فيستخدم وسائله من سيارة ودابة وغيرهما. ويخترع مكبرات الصوت والطائرة ، ويطلب الجنة فيتوسل لها بالأعمال الصالحة.