وجهد الإنسان في هذه الدنيا هو الذي يحدد مستويات ومواصفات النعيم في الآخرة. فالإنسان العامل هو الذي يتحكم بمفردات النعيم التي يهيؤها الله له ، ويصنع مواصفاتها ، ومقاديرها وأحجامها ، وأنواعها ، وفقا لقوله تعالى : (قَدَّرُوها تَقْدِيراً ..) حيث أعاد الضمير لهم ، أي للأبرار المتنعمين كما يظهر.
التنوع في النعيم :
واللافت : أنه تعالى قد أعطاهم هذا النعيم العظيم ، وحباهم بهذا التكريم لترتاح له ، وتلتذ به الروح والقلب ، والمشاعر ، والأحاسيس الباطنية ، تماما كما أعطى للجسد ما يناسبه من أنواع النعيم المادية.
والنعيم الذي يهتم بإبراز معالمه هنا ، هو نعيم روحي معنوي بالدرجة الأولى ، يرتبط بالإدراك العقلي ، وبالإحساس الروحي للمعاني السامية والشريفة لمعنى الكرامة ، والرضا والقرب من الله ..
وليس هو مما تناله الجوارح بصورة مباشرة ..
وما ذلك إلا لأن الله سبحانه يريد للإنسان أن يسمو في إدراكه وفي عقله ، وفي إنسانيته ، وأخلاقه ، ومشاعره ، ولا يرضى له أن يبقى يعيش في دائرة المحسوسات ، فلا يطيع الله إلا حين يرى العصا ، ولا يحس بالمعاني الإنسانية والروحية إلا حين تنالها جوارحه الظاهرية .. تماما كما يريد للمرأة أن تلبس الحجاب ، ولكن إذا لبسته عن اقتناع بلزوم طاعة الله ، وإحساس بعظمته وبحضوره ، فإن ذلك يوجب لها أسمى مقام عنده ، لأن الحجاب خوفا من العصا ، هو أدنى مراتب الطاعة .. حيث يكون الهدف هو حماية جسدها من الآلام ، لا لأنها تريد أن تتلذذ بطاعة الله سبحانه .. وأن تحمي الجسد من خلال الإحساس بلذة الطاعة.