فشكره الإمام وأثنى عليه (١) ، ثمّ إنّ الإمام سرّح عائشة تسريحا جميلا ، وأرسل معها كوكبة من النساء بزيّ الرجال فغضبت وراحت تقول : فعل الله في ابن أبي طالب وفعل ، بعث معي الرجال .. ولم تلتفت إلى نفسها أنّها قادت الجيوش ، ودخلت في ميادين الحرب ، فإنّ ذلك أمر مسموح لها حسب زعمها ، ولمّا قدمت المدينة نزعن النساء العمائم وألقين السيوف ، فاستبان لها خطأ ما اتّهمت به الإمام وراحت تقول :
جزى الله ابن أبي طالب الجنّة ... (٢).
ورحلت عائشة من البصرة ، وقد أشاعت في بيوتها الثكل والحزن والحداد ، ويقول عمير بن الأهلب وهو من أنصارها :
لقد أوردتنا
حومة الموت أمّنا |
|
فلم تنصرف إلاّ
ونحن رواء |
أطعنا بني تيم
لشقوة جدّنا |
|
وما تيم إلاّ
أعبد وإماء (٣) |
وعلى أي حال فقد تركت حرب الجمل في نفس الإمام عليهالسلام أعمق الحزن وأقساه.
وأجمع فقهاء المسلمين على تأثيم القائمين بهذه الحرب ، وأنّه لا مبرّر لهم بحال من الأحوال ، ونعتوهم بالبغاة ، وأنّ الواجب الديني يقضي بمناجزتهم عملا بقوله تعالى : ( فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ ) (٤) ، وقد أعلنوا أنّهم مسئولون أمام الله تعالى ، وهذه كلماتهم :
__________________
(١) العقد الفريد ٣ : ١٠٣ ـ ١٠٤.
(٢) الإمامة والسياسة ١ : ٨٠.
(٣) مروج الذهب ٢ : ٢٥٦.
(٤) الحجرات : ٩.