السلم وعدم إراقة الدماء ، وليس فيها أي تعرّض للمطالبة بدم عثمان ، فقد أهملت الوثيقة ذلك إهمالا تامّا ، وفيما اعتقد أنّه لم يكن للإمام أي رأي في هذه الوثيقة ، وإنّما أملاها الشاميّون وعملاؤهم من أهل العراق.
لا أعتقد أن يلمّ أي كاتب بتصوير المحنة الكبرى التي ألمّت بالإمام في رجوعه من صفّين ، فقد رجع مثقلا بالآلام والهموم ، فقد أيقن أنّ باطل معاوية قد استحكم وأمره قد تمّ ، وأنّ حكومته قد أفلت ، وخبا ضياؤها ، وأنّ جيشه قد أصبح متمرّدا عليه يدعوه فلا يستجيب له ، ويأمره فلا يطيعه ، قد مزّقت الفتن جميع كتائبه وفرقه ، فقد رجعوا وهم يتشاتمون ويتضاربون بالسياط ، ويبغي بعضهم على بعض ، ففريق منهم يرى ضرورة إيقاف القتال ، والبعض الآخر ينكر ذلك ، وينقم على الذاهبين إليه.
وعلى أي حال فقد انبثقت في جيش الإمام الفكرة الحرورية التي كانت سوسة تنخر في جيش الإمام ، وسنتحدّث عنها في الفصول الآتية.
وكان ممّا مني به الإمام من الهوان والآلام في طريق رجوعه إلى الكوفة أنّه سمع سبّه وشتمه ، فقد استقبله قوم فقالوا له :
أقتلت المسلمين بغير جرم ، وداهنت في أمر الله ، وطلبت الملك ، وحكّمت الرجال في دين الله لا حكم إلاّ الله ...
وبلغ الحزن والأسى أقساهما في نفس الإمام ، وقال لهم :
« حكم الله في رقابكم ، ما يحبس أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم »؟ ثمّ جاء حتى دخل الكوفة (١).
__________________
(١) الغارات ١ : ٣٠.