وكان ذلك من حبّه العارم لإشاعة العلم وإقصاء الجهل ، وأحجم الناس أن يسألوه ، وذلك لما يعانيه من آلام الضربة الغادرة.
وطلب الإمام عليهالسلام من أهل بيته أن يأتوه بلبن لأنّه يقاوم السمّ الذي سرى في بدنه من سيف ابن ملجم الذي سمّه بألف درهم ، واتي الإمام بقعب فيه لبن فشربه كلّه ، ثمّ تذكّر الرجس الخبيث ابن ملجم ، وأنّه لم يترك له من اللبن شيئا ، فقال عليهالسلام :
« وكان أمر الله قدرا مقدورا ، اعلموا أنّي شربت الجميع ، ولم ابق لأسيركم شيئا إلاّ أنّه آخر رزقي من الدّنيا ، فبالله! عليكم إلاّ ما سقيتموه مثل ما شربت » ، فحمل إليه مثل ذا اللبن فشربه الباغي اللئيم (١).
وهكذا تمثّلت الرحمة الإلهيّة في وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوآله وباب مدينة علمه ، فقد رفق وأحسن حتى لقاتله.
ولمّا علم الإمام عليهالسلام أنّه مفارق لهذه الدنيا أقام ولده الزكي الإمام الحسن عليهالسلام خليفة من بعده ، فقد ذكر ثقة الإسلام الحجّة الكليني نضّر الله مثواه أنّ أمير المؤمنين أوصى إلى الحسن ، وأشهد على وصيّته الإمام الحسين عليهالسلام وولده محمّدا وجميع ولده ورؤساء شيعته ، وأهل بيته ، ودفع إليه الكتب والسلاح وقال له :
« يا بنيّ ، أمرني رسول الله صلىاللهعليهوآله أن اوصي إليك وأن ادفع إليك كتبي وسلاحي ، كما أوصى إليّ رسول الله ودفع إليّ كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك
__________________
(١) بحار الأنوار ٤٢ : ٢٩٠.