وانتهت المدّة التي عيّنها الفريقان للتحكيم ، وقد استردّ معاوية فيها قواه العسكرية التي فقدها أيام صفّين ، فأرسل إلى الإمام يطلب منه الوفاء في التحكيم ، وإنّما سارع إلى ذلك لعلمه بما مني به جيش الإمام من التفكّك والانحلال والتخاذل ، كما كان على يقين لا يخامره شكّ أنّ التحكيم سيكون من صالحه لأنّ المنتخب له من قبل العراقيّين الأشعري وهو من الدّ أعداء الإمام ، ومن الحاقدين عليه وأنّه لا ينتخب الإمام.
وعلى أي حال فقد أشخص العراقيّون الخامل الغبي الأشعري أخزاه الله ومعه أربعمائة شخص من أصحابه كان من بينهم حبر الامّة عبد الله بن عباس يقيم فيهم الصلاة ، وكذلك الشخص الماكر ابن العاص ومعه أربعمائة شخص من أهل الشام ، والتقوا بدومة الجندل أو في أذرح ، وكان ابن العاص قد أفرد للأشعري مكانا خاصّا ، وجعل يقدّم له أطائب الطعام والشراب حتى استنبطه وأرشاه ، ولم يفتح معه الحديث ثلاثة أيام حتى صار العوبة بيده يوجّهه حيث ما شاء ، وأخذ يضفي عليه النعوت الحسنة والألقاب الكريمة ، وكان من بنود حديثه معه.
يا أبا موسى ، إنّك شيخ أصحاب محمّد صلىاللهعليهوآله ، وذو فضلها ، وذو سابقتها ، وقد ترى ما وقعت فيه هذه الامّة من الفتنة العمياء التي لا بقاء معها ، فهل لك أن تكون ميمون هذه الامّة فيحقن الله بك دماءها؟ فإنّه يقول في نفس واحدة : ( وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) ، فكيف بمن أحيا هذا الخلق كلّه؟
إيه يا ابن العاص! متى كان الأشعري الضالّ المضلّ شيخ صحابة رسول الله صلىاللهعليهوآله ؟ ومتى كان من ذوي الفضائل والسوابق في الإسلام؟
قاتل الله السياسة! فقد بنيت على المكر والخداع والتضليل ، وليس لها أيّة صلة بالحقّ والواقع.