فلمّا انتهت إلى الجامع الأعظم الذي يقيم فيه الإمام ، أمسكت بها القرشية ، ولمّا انتهت إلى الإمام أخذت تصيح :
أمن العدل يا ابن أبي طالب أن تساوي بيني وبين هذه الأعجمية؟ فالتاع الإمام منها ، وأخذ قبضة من التراب وجعل يقلّبها بيده وهو يقول :
« لم يك بعض هذا التّراب أفضل من بعض » ، وتلا قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ ).
لقد أدّت هذه السياسة المشرقة التي انتهجها الإمام إلى إجماع القوى المنحرفة والباغية على الاطاحة بحكومته وشلّ فعاليّاتها.
يقول المدائني : « إنّ من أهمّ الأسباب التي أدّت إلى تخاذل العرب عن الإمام اتّباعه لمبدإ المساواة حيث كان لا يفضّل شريفا على مشروف في العطاء ولا عربيا على أعجمي » (١)
.إنّ الإنسانية على ما جربت من تجارب ، وبلغت من رقي وإبداع في الأنظمة الاقتصادية التي تسير عليها الدولة ، فإنّها لم تستطع بحال من الأحوال أن تنشئ أو تقيم مثل هذا النظام.
واحتاط الإمام كاشدّ ما يكون الاحتياط في أموال الدولة ، وقد روى المؤرّخون صورا مدهشة من احتياطه فيها كان منها ما يلي :
وفد عليه عقيل طالبا منه أن يرفّه عليه ويمنحه الصلة ، فأخبره الإمام أنّ ما في
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ـ ابن أبي الحديد ١ : ١٨٠.