وأنا لكم وزيرا ، خير لكم منّي أميرا! ».
لقد وضع أمامهم المنهج الذي يسير عليه وهو الحقّ بجميع رحابه والعدل بجميع ألوانه .. ورضوا بما قاله ، وهتفوا : ما نحن بمفارقيك حتى نبايعك ..
وانثال عليه الناس من كلّ جانب وهم يطالبونه بقبول خلافتهم ، ووصف الإمام في خطبته الشقشقيّة إصرار الجماهير وازدحامهم عليه بقوله :
« فما راعني إلاّ والنّاس كعرف الضّبع (١) إليّ ، ينثالون عليّ من كلّ جانب ، حتّى لقد وطئ الحسنان ، وشقّ عطفاي (٢) ، مجتمعين حولي كربيضة الغنم » (٣).
وأجّلهم الإمام إلى صباح اليوم الثاني لينظر في الأمر ، فافترقوا على ذلك (٤).
وفكّر الإمام في قبول الخلافة ، فرأى أنّ المصلحة تقتضي قبولها ، وذلك خوفا من أن ينزو عليها علج من فسّاق بني أميّة ، قال عليهالسلام :
« والله! ما تقدّمت عليها ـ أي على الخلافة ـ إلاّ خوفا من أن ينزو على الأمّة تيس من بني أميّة ، فيلعب بكتاب الله عزّ وجلّ .. » (٥).
إنّ الإمام لم تكن له أية رغبة في الخلافة ، فإنّه لم يكن من عشّاق الملك والسلطان ، ولا ممّن يبغي الحكم لينعم في خيرات البلاد .. إنّه ربيب الوحي الذي
__________________
(١) عرف الضبع : الشعر الكثير الذي يكون على عنق الضبع ، يضرب به المثل في كثرة ازدحام الناس.
(٢) شقّ عطفاي : أراد به ما أصابه من الخدش من كثرة ازدحام الناس.
(٣) ربيضة الغنم : الطائفة الرابضة ، وهو وصف لجثوم الناس حوله.
(٤) حياة الإمام الحسين عليهالسلام ١ : ٤٠٠.
(٥) العقد الفريد ٣ : ٩٣.