والله! لو علم عليّ أحدا أحقّ بهذا الأمر منه ما قبله ، ولو بايع الناس غيره لبايع وأطاع ، وما به إلى أحد من صحابة رسول الله صلىاللهعليهوآله حاجة ، وما بأحد عنه غنى ، ولقد شاركهم في محاسنهم ، وما شاركوه في محاسنه ، ولقد بايع هذان الرجلان ـ يعني طلحة والزبير ـ وما يريدان الله ، فاستعجلا الفطام قبل الرضاع ، والرضاع قبل الولادة ، والولادة قبل الحمل ، وطلبا ثواب الله من العباد ، وقد زعما أنّهما بايعا مستكرهين ، فإن كانا استكرها قبل بيعتهما ، كانا رجلين من عرض قريش لهما أن يقولا ولا يأمرا.
ألا وإنّ الهدى ما كانت عليه العامّة ، والعامّة على بيعة عليّ ، فما ترون أيّها الناس؟
وهذا الخطاب حافل بالحجّة ، وعار من المغالطات السياسية ، وفيه الدعوة إلى الحقّ وجمع الكلمة ، فاستجاب له حكيم بن جبلة وهو من شخصيات البصرة ووجوهها وأعرب عن استعداده لمناصرته ولو أعلن الحرب على الجماعة (١).
وجرت مصادمات عنيفة اريقت فيها الدماء من حزب عائشة وجماعة الإمام ، وبعد هذا الصراع الذي لم يحرز فيه كل منهما نصرا على خصمه اتّفقا على عقد هدنة مؤقّتة بينهما حتى يقدم الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، ويعرض عليه الأمر وتنحلّ عقدة الخلاف ، وكتب الفريقان وثيقة وقّعها ابن حنيف والي البصرة وطلحة والزبير ، وكان من بنودها إقرار ابن حنيف على إمرته للبصرة وترك ما في بيت المال والمسلحة له ، وأن يباح للزبير وطلحة وعائشة أن ينزلوا حيثما شاءوا من البصرة.
ومضى ابن حنيف يقيم بالناس الصلاة ويقسّم المال بينهم ويشيع الأمن
__________________
(١) الإمامة والسياسة ١ : ٦٤.