والبكاء ، وبلغ من أساهم على عثمان أنّهم أقسموا بالله تعالى أن لا يمسّهم الماء إلاّ من الاحتلام ، ولا يأتوا النساء ولا يناموا على الفراش حتى يقتلوا قتلة عثمان (١) ، وكانت قلوبهم تتحرّق شوقا إلى الحرب للأخذ بثأره ، وكانوا يستنهضون معاوية للحرب أكثر منه.
إنّ أهل الشام قد عرفوا بالطاعة العمياء والإخلاص الشديد إلى ولاة امورهم ، وكان يضرب بهم المثل في الطاعة والمشايعة للسلطان على عكس جند الإمام (٢).
وعلى أي حال فقد سار معاوية بجيشه المغرّر المخدوع لمحاربة وصيّ رسول الله صلىاللهعليهوآله وباب مدينة علمه ، وقدّم بين يديه الطلائع ، وسارت كتائب جيوشه لا تلوي على شيء ، فنزل بهم أحسن منزل وأقربه إلى حوض الفرات ، وأوعز إلى فرقة من جيشه باحتلال نهر الفرات ، وأحاطت به آلاف من الجنود ، وعدّ هذا أوّل الفتح ؛ لأنّه حبس الماء على عدوّه ، وبقيت جيوشه مرابطة في ذلك المكان المسمّى بـ « صفّين » ، وهي تصلح أمرها ، وتنظّم قواها استعدادا للحرب.
وتهيّأ الإمام للحرب بعد ما علم بزحف عدوّه لمناجزته ، وقام الخطباء من أنصار الإمام يدعون الناس للحرب ، ويحثّونهم على الجهاد بعد ما أحرزوه من النصر الكبير في معركة الجمل .. ومن بين الخطباء ريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآله وسبطه الإمام الحسن عليهالسلام فقد خطب خطابا حماسيا رائعا ألهب فيه العواطف ، دعا فيه إلى الجهاد ومناجزة عدوّ الإسلام الذي يكيد للمسلمين في غلس الليل وفي وضح النهار ، وقد استجابت الجماهير لدعوة ريحانة رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وانطلقوا معه وهم يجدّون في
__________________
(١) تاريخ ابن الأثير ٣ : ١٤١.
(٢) لطائف المعارف ـ الثعالبي : ١٥٨.