ولمّا باءت بالفشل جميع الوسائل والجهود التي بذلها الإمام من أجل السلم وحقن الدماء ، ندب أصحابه لرفع كتاب الله تعالى والدعوة إلى الحكم بما فيه ، وأحاطهم علما أنّ من يقوم بهذه المهمّة فإنّه يستشهد ، فوجم أصحابه سوى فتى نبيل مؤمن من أهل الكوفة ، فانبرى قائلا :
أنا له يا أمير المؤمنين!
وقد وطّن الفتى نفسه على الموت ، فأشاح الإمام بوجهه عنه ، وندب أصحابه لهذه المهمّة فلم يستجب له أحد منهم سوى الفتى ، فناوله الإمام المصحف ، فانطلق به إلى ساحة الحرب ، وهو يلوّح به أمام عسكر عائشة ، وقد رفع صوته بالدعوة إلى تحكيم القرآن الكريم ، فحمل القوم عليه ، وقطعوا يمينه ، فأخذ المصحف بيساره ، وهو يناديهم ويدعوهم إلى العمل بما في كتاب الله تعالى ، فحملوا عليه وقطعوا يساره ، فأخذ المصحف بأسنانه ، وقد نزف دمه ، وهو يقول :
الله في دمائنا ودمائكم ...
وانثالوا عليه من كلّ جانب يرشقونه بالسهام ، فهوى إلى الأرض جثّة هامدة ، فانطلقت إليه امّه تبكيه وترثيه بذوب روحها قائلة :
يا ربّ إنّ
مسلما أتاهم |
|
يتلو كتاب الله
لا يخشاهم |
فخضّبوا من دمه
لحاهم |
|
و امّه قائمة
تراهم (١) |
ورأى الإمام بعد شهادة هذا الفتى أنّه لا وسيلة إلاّ الحرب ، فقال لأصحابه :
« الآن حلّ قتالهم ، وطاب لكم الضّراب ... ».
__________________
(١) مروج الذهب ٢ : ٢٤٦.