وخاف أصحاب الإمام من السير لحرب معاوية ، ويتركوا الخوارج من ورائهم يستبيحون أموالهم وأعراضهم من بعدهم ، فانكشفت نواياهم التخريبية بقتلهم عبد الله بن خبّاب وزوجته ، فطلبوا من الإمام مناجزتهم فإذا فرغوا منهم ساروا لحرب معاوية ، فأجابهم الإمام إلى ذلك ، وسار بجيشه حتّى انتهى إلى النهروان حيث كانوا يقيمون فيه ، فأرسل إليهم أن يمكّنوه من قتلة عبد الله بن خبّاب ليقتصّ منهم ، ويمضي إلى قتال معاوية فأجابوه جميعا بلهجة واحدة :
ليس بيننا وبينك إلاّ السيف إلاّ أن تقرّ بالكفر ، وتتوب كما تبنا ...
فردّ عليهم الإمام قائلا :
« أصابكم حاصب (١) ، ولا بقي منكم آبر (٢). أبعد إيماني بالله ، وجهادي مع رسول الله صلّى الله عليه ، أشهد على نفسي بالكفر! ( قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ) (٣)! فأوبوا شرّ مآب ، وارجعوا على أثر الأعقاب.
أما إنّكم ستلقون بعدي ذلاّ شاملا ، وسيفا قاطعا ، وأثرة يتّخذها الظّالمون فيكم سنّة » (٤).
وأخذ الإمام عليهالسلام يعظهم تارة ، ويراسلهم اخرى ، فجعل كثير منهم يتسلّلون ويعودون إلى الكوفة ، وقسم منهم التحق بجيش الإمام ، وفريق آخر اعتزل الحرب ، ولم يبق منهم إلاّ ذو الثفنات عبد الله بن وهب الراسبي زعيمهم ومعه ثلاثة آلاف.
__________________
(١) الحاصب : ريح شديدة.
(٢) الآبر : الذي يؤبّر النخل ، أي يصلحه.
(٣) الأنعام : ٥٦.
(٤) نهج البلاغة ١ : ١٥٩.