ولمّا شاع أمر التحكيم واذيعت نتائجه فرح الشاميّون كأشدّ ما يكون الفرح وطابت نفوسهم بفوز معاوية وافول دولة الحقّ ، وشمتوا بالعراقيّين ، وقد أعلن ذلك شاعرهم كعب بن جعيل بقوله :
كأنّ أبا موسى
عشيّة أذرح |
|
يطوف بلقمان
الحكيم يواربه |
فلمّا تلاقوا في
تراث محمّد |
|
نمت بابن هند في
قريش مضاربه |
سعى بابن عفّان
ليدرك ثأره |
|
وأولى عباد الله
بالثأر طالبه |
وقد غشيتنا في
الزّبير غضاضة |
|
وطلحة إذ قامت
عليه نوادبه |
فردّ ابن هند
ملكه في نصابه |
|
ومن غالب
الأقدار فالله غالبه |
وما لابن هند في
لؤيّ بن غالب |
|
نظير وإن جاشت
عليه أقاربه |
فهذاك ملك
الشّام واف سنامه |
|
وهذاك ملك القوم
قد جبّ غاربه |
يحاول عبد الله
عمرا وإنّه |
|
ليضرب في بحر
عريض مذاهبه |
دحا دحوة نجلاء
أودت بنفسه |
|
إلى أسفل المهوى
ظنون كواذبه (١) |
وأنت ترى في هذا الشعر الاستهانة بالأشعري ، وأنّه ليس أهلا لأن يكون كفؤا لابن العاص ، والشماتة من الشاعر ظاهرة في العراقيّين الذين لم يقرّروا مصيرهم الحاسم بعد أن أشرفوا على الفتح فكان مثلهم كالتي نقضت غزلها.
وبعث ابن العاص إلى سيّده معاوية رسالة يهنّيه بما أحرزه من النصر في خديعته للأشعري ، وما أحدثه من الفتن والاختلاف في جيش الإمام ، وكتب في
__________________
(١) وقعة صفّين : ٦٣٢.