وعلى أي حال فقد انخدع هذا القزم الحقير بهذا التكريم والتعظيم ، وطفق يسأل ابن العاص عن طرق الاصلاح التي يحقن بها الدماء فقال له :
تخلع أنت عليّ بن أبي طالب ، وأخلع أنا معاوية بن أبي سفيان ، ونختار لهذه الامّة رجلا لم يحضر في شيء من الفتنة ، ولم يغمس يده فيها ...
وكان ابن العاص عالما بانحرافه عن الإمام ، ويعني بالشخص الذي لم يحضر الفتنة هو عبد الله بن عمر ، وكان الأشعري يميل إليه ، فقال له : من هو؟
عبد الله بن عمر.
وسرّ الأشعري بذلك ، وانبرى يطلب منه العهود والمواثيق على الالتزام بما قاله قائلا : كيف لي بالوثيقة منك؟
يا أبا موسى ، ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب ، خذ من العهود والمواثيق حتى ترضى ...
ولم يترك ابن العاص يمينا إلاّ أقسم به. وما قيمة الأيمان والمواثيق عند ابن العاص؟ وهو الذي نشأ نشأة جاهلية؟ وعلى أي حال فقد انخدع الأشعري بمقالة ابن العاص فأجابه بالرضا والقبول وعيّنا وقتا يذيعان فيه ما اتّفقا عليه.
وأقبلت الساعة الرهيبة التي تنتظرها الجاهير بفارغ الصبر ، واتّجه الماكر ابن العاص والغبي الأشعري نحو منصّة الخطابة ليعلنا للناس ما اتّفقا عليه ، فقال ابن العاص لأبي موسى :
قم فاخطب الناس يا أبا موسى! قم أنت فاخطبهم ...
وراح الماكر يخدع الأشعري ، ويضفي عليه الألقاب الكريمة ، ويبالغ في تعظيمه قائلا :