سبحان الله! أنا أتقدّم عليك ، وأنت شيخ أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، والله! لا فعلت ذلك أبدا (١).
وغرّت هذه الكلمات المعسولة ، التي ألقاها ابن العاص مشاعر الأشعري وعواطفه ، وراح يطلب منه الوفاء بما عاهده عليه ، فراح يقسم له بالله تعالى على الوفاء بما قال ، وما أرخص القسم الكاذب عند ابن العاص الذي لا يرجو لله وقارا! فأقسم له بكلّ يمين بتنفيذ ما قاله ، ولم يخف على حبر الامّة زيف يمين ابن العاص ، فالتفت إلى الأشعري يحذّره من مكيدة ابن العاص قائلا له :
ويحك! والله! إنّي لأظنّه قد خدعك ، إن كنتما قد اتّفقتما على أمر فقدّمه قبلك فليتكلّم ، ثمّ تكلّم أنت بعده ، فإنّ عمرا رجل غدّار ، ولا آمن أن يكون قد أعطاك الرضا فيما بينك وبينه ، فإذا قمت للناس خالفك ...
ولم يحفل الغبي بكلام ابن عباس ، وراح يشتدّ كأنّه الكلب نحو منصّة الخطابة ، فلمّا استوى عليها قال :
أيّها الناس ، إنّا قد نظرنا في أمرنا فرأينا أقرب ما يحضرنا من الأمن والصلاح ، ولمّ الشعث ، وحقن الدماء ، وجمع الالفة ... خلعنا عليّا ومعاوية! فقد خلعت عليّا كما خلعت عمامتي هذه ، وأهوى إلى عمامته فخلعها ، واستخلفنا رجلا صحب رسول الله صلىاللهعليهوآله بنفسه ، وصحب أبوه النبيّ فبرز في سابقته وهو عبد الله بن عمر (٢).
__________________
(١) العقد الفريد ٣ : ٣١٥.
(٢) تاريخ الطبري ٦ : ٣٩ ، وجاء في شرح النهج ١٣ : ٣١٥ : روى سويد بن غفلة قال : كنت مع أبي موسى على شاطئ الفرات في خلافة عثمان فروى لي خبرا عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : سمعته يقول : « إنّ بني إسرائيل اختلفوا فلم يزل الاختلاف بينهم حتّى بعثوا حكمين ضالّين ، ضلاّ وأضلاّ من اتّبعهما ، ولا تنفك أمّتي حتى يبعثوا حكمين يضلاّن ويضلاّن من اتّبعهما » فقلت له : احذر يا أبا موسى أن تكون أحدهما ، قال : فخلع قميصه وقال : ابرأ إلى الله من ذلك كما برىء قميصي من هذا.