وزيد وإن كانا موجودين بوجود واحد ، ولكن الإنسانية متقدمة على زيد بالطبع ، فإن ميزان التقدم بالطبع هو ، أنه كلّما كان للمتأخر وجود كان للمتقدم وجود ، وليس كلّما كان للمتقدم وجود كان للمتأخر وجود.
وهنا في زيد والإنسان ، كلما كان لزيد وجود ، لأن الإنسانية أعم من زيد وهذا الميزان موجود هنا ، فإنه كلّما كان للأمر بالصلاة وجود ، فللصلاة وجود لا محالة في أفق نفس الحاكم والآمر ، إذ لا يعقل أن يأمر الآمر بشيء قبل أن يوجد في ذهنه ، فكلّما كان للأمر بالصلاة وجود في نفس الآمر كان للصلاة وجود في نفسه ، وليس العكس ، لأنه قد يتصور الصلاة ولا يأمر بها ، وبناء على هذا فتكون الصلاة ، أي المتعلق أسبق رتبة من الأمر ، لكن سبقا طبعيا.
وعلى أيّ حال ، سواء قيل بالسبق الوجودي للمتعلّق على الأمر ، وبنينا على تعدد الوجود للأمر وللمتعلق ، أو قلنا بالسبق الطبعي لمتعلّق الأمر على الأمر ، وقلنا بأنهما موجودان بوجود واحد ، كوجود الإنسانية وزيد الواحد ، ففي كلتا الحالتين ، المتعلّق أسبق رتبة على الأمر.
فإذا كان قصد امتثال الأمر مأخوذا في المتعلّق ، يلزم أن يكون متأخرا ومتقدما ، وهو تهافت ، فإنه متأخر عن الأمر ، لأن وجوده يتوقف على فرض الأمر ، وبدون الأمر لا يتصوّر وجود لقصد امتثال الأمر. وهو متقدم على الأمر ، لأنه أخذ في متعلقه ، والمتعلق متقدّم عليه.
وهذا البيان واضح الاندفاع ، إذ يكفي في اندفاعه قبل أن نتعمّق في المسألة أن نقول في المقام ، بأن المتأخر غير المتقدم ، بينما هو موقوف على الأمر غير ما يكون الأمر موقوفا عليه ، فإنّ قصد امتثال الأمر ، وجوده خارجا ، يتوقف على الأمر ، وأمّا الأمر ، فهو يتوقف على الوجود الذهني لقصد امتثال الأمر في أفق نفس الآمر والحاكم ، إذ أن هناك وجودين لقصد امتثال الأمر.
أ ـ أحدهما الوجود الخارجي الذي يأتي به العبد خارجا.