من قبل الأمر ، لكن من قال ، بأنّ الأمر مشروط بهذه القدرة ، ومتوقف عليها ، على حدّ توقف المشروط على شرطه ، إذ أنّ دليل اشتراط القدرة ، إنّما هو العقل الحاكم باستحالة التكليف بغير المقدور.
ومن الواضح أنّ العقل لا يحكم باستحالة التكليف بغير المقدور ، إذا كان نفس التكليف والأمر يحدث القدرة ، كما لو فرض مثلا ، أنّ كلام المولى مع عبده المشلول تكوينا ، يوجب استيناس العبد ، وبالتالي شفاءه ، هنا لا بأس بأن يتوجه المولى إلى عبده ويقول له ، قم ، ذلك أنّ القدرة على القيام وإن كانت هنا غير موجودة ، لكنّها سوف تحصل من أمر المولى ، وبذلك لا يكون أمر المولى أمرا إحراجيا للعبد ، إذ الميزان في اشتراط التكليف بالقدرة إنما هو عدم إحراج العبد من قبل المولى ، وعدم الإحراج يكفي فيه نشوء القدرة من قبل نفس الأمر ، فلو نشأت القدرة من قبل نفس الأمر ، فهذا يكفي في صحة الأمر ، وحينئذ يندفع الدور ، لأن القدرة على قصد الامتثال نشأت من الأمر ، وهي متأخرة رتبة عن الأمر تأخر المعلول عن علته ، ولكن الأمر ليس متأخرا رتبة عن القدرة على قصد امتثال الأمر تأخر المشروط عن شرطه ، وإنما هو متأخر عن إمكان حصول القدرة بالأمر ، وإمكان حصول القدرة بالأمر فعليّ قبل الأمر ، وإن كانت نفس القدرة هي بعد الأمر ، ولكن إمكان حصولها بالأمر مطلب واقعي ثابت قبل الأمر.
إذن فلا دور ، وهذا غير ما يقال ، من أنّ الأمر يشترط فيه القدرة وقت العمل ، فإن ذاك الكلام لا يرفع إشكال الدور ، لأن الأمر أصبح مشروطا بالقدرة على العمل ، والقدرة في وقت العمل مشروط بالأمر ، إذن صار كل منهما مشروطا بالآخر ، وهذا دور.
وكلامنا لا يرجع إلى هذا ، وإنما يرجع إلى أن القدرة على قصد الامتثال ، متوقف على الأمر ، لكن الأمر هنا ليس متوقفا ولا مشروطا بالقدرة ، لا بالقدرة حينه ، ولا بالقدرة في وقت العمل ، بل هو مشروط بإمكان حصول القدرة به ، والإمكان أمر ثابت قبل الأمر ، لأنه قبل الأمر يصدق قولنا ، أنه لو