المحور الثاني : تبحث المسألة بلحاظ كون كلمة الأمر في لغة العرب ، هل أخذ فيها العلو ، أو العلو مع الاستعلاء ، أو الجامع بين الأمرين ، بحيث يكون لهذه المسألة فائدة فقهية وليس لها فائدة أصولية ، لأن فائدة هذا البحث حينئذ ، يكون في مثل ما لو دلّ دليل على وجوب إطاعة أوامر الوالدين ، وحينئذ يقال ، بأنه هل يعتبر في صدق الأمر من الوالد الاستعلاء أو لا يعتبر ، فمن قال باعتبار العلو والاستعلاء معا قد يدّعي بأن الوالد إذا طلب من ولده شيئا في لسان الاسترحام فلا يشمله دليل وجوب إطاعة الوالدين ومن قال بكفاية العلو من دون الاستعلاء يقول بأنه يشمله دليل وجوب إطاعة الوالدين ، فتكون الثمرة ثمرة فقهية ، ولكن هذه الثمرة محل إشكال ، إذ لو فرض ورود دليل بلسان إطاعة الوالدين ، وفرض أن الاستعلاء دخيل في عنوان الأمر لغة ، ولكن العرف بمناسبات الحكم والموضوع ، يفهم من دليل وجوب إطاعة الوالدين ، أن نكتة المطلب ليس هو استعلاء الوالد وتكبّره في مقام المخاطبة ، بل نكتته علوّه الحقيقي وفضله على ولده ، فبمناسبات الحكم والموضوع يمكن إلغاء خصوصية الاستعلاء حتى لو قلنا بدخلها في مفهوم الأمر لغة ، فلا تبقى هذه الثمرة الفقهية أيضا لمثل هذا البحث.
وكيف كان ، فهو بحث في نفسه ، من أنه هل يعتبر العلو أو العلو والاستعلاء أو الجامع ما بينهما ، والظاهر بمراجعة الاستعمالات العرفية أنه يعتبر العلو بلا إشكال ، لأن الطلب إذا صدر من غير العالي إلى مساويه أو إلى من هو أعلى منه لا يسمّى أمرا ، حتى لو كان مستعليا ، فلا إشكال في كفاية العلو في نفسه ، وإن كان لسان الأمر لسان استرحام.
وأما الاستعلاء فالظاهر عدم اعتباره في المقام ، بحسب الاستعمالات العرفية ، فإذا كان مستعليا يعني مدّعيا للعلو ، فهو مدع لقابلية الطلب بإدعائه للعلو ، فكأنه يدّعى صدور الأمر منه ، لأن الأمر متقوم بالعلو ، فإذا ادعى أنه عال فهو يدعي إن هذا أمر ، لا أنه يكون أمرا حقيقة.
ومنه يظهر أن دعوى الجامع بين العلو والاستعلاء ، أيضا ساقطة ، فإن