التقريب الأول ، هو أن يقال ، بأن قصد الأمر وإن كان لا يعقل أخذه في متعلق الأمر ثبوتا ، ولكن قد سبق وقلنا بأن أخذه قيدا إثباتا أمر معقول وصحيح ، بمعنى أن القيدية الإثباتية بنفسها تكون بيانا عرفا لتلك النكتة الغامضة المجملة ارتكازا في أذهان الناس.
وهذه النكتة هي أن الأمر التعبدي أمر تجدّدي ، فإن هذه التجدّدية للأمر التعبدي تحتاج إلى قرينة ، والبيان العرفي لهذه القرينة هو عبارة عن لسان التقييد على ما أوضحناه سابقا.
فبناء على هذا ، أيضا يمكن التمسك بالإطلاق ومقدمات الحكمة ، لأن تقييد متعلّق الأمر بقصد القربة ثبوتا ولبا وإن كان مستحيلا ، ولكنّ تقييده إثباتا وبيانا ليس أمرا مستحيلا ، ومن هنا يجري العرف مقدّمات الحكمة أيضا ويقول ، لو كان الأمر تعبديا لبيّنه بلسان المقيّد ـ بقصد الأمر ـ ، وحيث لم يبيّنه بلسان «صلّ بقصد الأمر» ، بل قال «صلّ» من دون أن يقيّد بشيء ، فيستكشف من ذلك ، أن الأمر توصلي لا تعبّدي.
التقريب الثاني ، بناء على مسلكنا ، هو أنه لو تنزّلنا عن هذه الدعوى التي ادّعيناها ، من أن التقييد الإثباتي هو بيان عرفي للتجدّد ، وفرضنا أن الإنسان العرفي ملتفت تفصيلا إلى حاق المطلب ، وهو أن الأمر التعبدي أمر تجددي ، والأمر التوصلي أمر غير تجدّدي ، فأيضا يتمسك بالإطلاق لنفي التجدّدية ، وذلك لأن التجدّدية بنفسها عناية زائدة لا يفي بإثباتها الإطلاق ، لأن مرجع الأمر التعبدي إلى اشتمال الخطاب على أوامر متعددة متعاقبة.
ومن الواضح أن الخطاب المشتمل على أمر بالفعل ، ظاهره الأمر الواحد المتعلّق بصرف الوجود ولا يفي ببيان أوامر متعددة ، فأيضا فيه ، تجري مقدمات الحكمة ويقال ، أنه لو كان الأمر تعبديا إذن لما كان الخطاب وافيا ببيانه ، لأن هذا الخطاب لا يفي ببيان التجدّد والتكثر في الأمر ، إذن فبإجراء مقدمات الحكمة وبأصالة المطابقة بين مقام الإثبات ومقام الثبوت ننفي اشتمال