مذهب الأشعري ، يكون ، فعل المولى ، واقترانه بالإرادة مجرد صدفة ، دون أن يكون للإرادة ومبادئها دخل في صدور الفعل أصلا (١) ، وأمّا على هذا الاحتمال الرابع ، فالأمر ليس كذلك ، بل الفعل وإن كان فعل المولى ، لكن الإرادة مقدمة إعدادية من أجل قابلية المحل ، ولأجل أن يفاض عليه هذا الفعل من المولى ، وفرق هذا الاحتمال عن الاحتمال الثالث ، هو أنه في الاحتمال الثالث ، كان الفاعل للفعل هو الإنسان وقوى الإنسان ، وفاعل الفاعل هو المولى ، أمّا هنا في هذا الاحتمال الرابع فيقال ، بأن فاعل الفعل مباشرة ، هو المولى ، ولكن الإرادة لها مقدمية إعدادية من أجل أن يكون المحل قابلا ليفاض عليه الفعل من قبل المولى ، وهذا الاحتمال الرابع هو أحد وجوه الأمر بين الأمرين ، بين الأشعري والمعتزلي.
الاحتمال الخامس :
وهذا الاحتمال ذهب إليه عرفاء الفلاسفة ومتصوفوهم ، وحاصله ، أن هذا الفعل له فاعلان ، وهما المولى والعبد ، ولكن هذين الفاعلين ليسا طوليين ، كما هو الحال في الاحتمال الثالث ، كما أنهما ليسا عرضيين ، كما هو الحال في الاحتمال الرابع ، وإنما هي فاعلية واحدة ، بحيث أن هذه الفاعلية الواحدة ، بنظر تنسب إلى العبد ، وبنظر آخر تنسب إلى المولى تعالى ، بناء منهم على تصور (٢) عرفاني للعبد وللمخلوقات ، لأنها معان حرفية واستهلاكية (٣) ، إذن فنسبتها إلى الباري تعالى ، نسبة المعنى الحرفي إلى المعنى الاسمي عند الأصوليين ، فكما أن المعنى الحرفي ليس له هوية استقلالية ، بل هو فان ومستخدم بين يدي المعنى الاسمي ، فكذلك الموجودات بالنسبة إلى خالقها ، فإذا نظر إلى هذه الموجودات بما هي
__________________
(١) مقالات الإسلاميين ـ الأشعري ج ١ ص ٣٢٦.
(٢) رسالة في سريان الوجود ـ صدر المتألهين ص ١٤٢ ـ ١٤٤.
(٣) رسائل صدر المتألهين الشيرازي ص ١١ ـ ١٢.