لأمور خارجية ، بعضها داخل في كيان الإنسان وبعضها مستورد من الخارج ، فمن المجموع المركب من الأمور الموجودة في داخل الإنسان وفي خارج الإنسان ، يوجد بالضرورة خوف عند الإنسان وإرادة ، تولّد بالضرورة حركة الأصابع إذن فلما ذا يعاقب على حركة الأصابع!؟. فلا يبقى إلّا أن الواضع ، سمّى حركة الأصابع اختيارية ، وحركة الأمعاء غير اختيارية ، فكأن المطلب مربوط بالوضع اللغوي ، أما العقل ، فلا يرى فرقا بين المطلبين ، فينسد بذلك باب الحساب والعقاب ، ويتسجل الإشكال ، ولا يمكن التخلص عنه بمثل هذه المصطلحات.
وأما بناء على إنكار الحسن والقبح العقليين ، كما أنكره الأشاعرة صريحا ، والفلاسفة تلويحا ، حيث قالوا ، أن الحسن والقبح من القضايا المشهورة وليس من القضايا الحقانية ، فبناء على هذا الإنكار ، وأن العقل لا يأبى أن يعاقب المرتعش على ارتعاشه ، ولكن تبقى مشكلة لغوية التكليف ، وهي أن هذا المرتعش سيعاقب على كل حال وقد جعل الخطاب في حقه كما جعل العقاب في حقه مطلقا.
ويجيبون على هذا ، بأن الفعل الذي ينشأ من الإرادة ، وإن كان أيضا غير اختياري ، حاله حال حركة الأمعاء التي تنشأ من الخوف ، ولكن توجد خصوصية في هذا الفعل الغير الاختياري ، وهو أن سنخ فعل غير اختياري ، يمكن التدخل تشريعيا في تغييره ، بنحو لا اختياري أيضا (١) ، وذلك لأن كل إنسان جائع إذا اشتهى أكل المال الحرام ، ورأى أنه سوف يضرب سياطا عديدة إذا أكل من الحرام ، فسوف يمتنع عن ذلك ، بينما الإنسان الذي يخاف من صوت السبع ، لا يزول خوفه ، وإن علم أنه سوف يضرب سياطا عديدة ، بل لن يكون بمقدوره أن لا يخاف بخلاف المشتهي للحرام ، فإنه يحجم عن الطعام ، ويكون إحجامه لا اختياريا ، ناشئا من إرادة أخرى معاكسة مع تلك
__________________
(١) الأشعري ـ مقالات الإسلاميين ج ١ ص ٣٣٠.