يكون ناشئا عن الإرادة ، بحيث تصدق عليه القضية الشرطية وهي أنه «لو أراد لفعل» ، فأيضا ، لا كلام في ذلك ، إذا كان واضع اللغة ، هكذا وضع كلمة اختيار (١) ، فيكون البحث لغويا ، وليس النزاع لغويا حتى يقع البحث فيه ، وإن كان منشأ تفسير الحكماء والفلاسفة للاختيار هو الاستطراق بهذا التفسير إلى تصحيح التكليف والحساب ، بحيث أن الإنسان لا يكلّف ولا يحاسب على تحركات أمعائه ، بل على تحركات أصابعه ، وتعطي حركة الأصابع معنى يختلف عن حركة الأمعاء ، بحيث لا يتصور الحساب والتكليف في الثانية دون الأولى ، فهذا بحث واقعي.
والكلام فيه تارة يقع على مسلك الحسن والقبح العقليين ، وأخرى بناء على إنكار الحسن والقبح العقليين.
فبناء على ما هو الصحيح من التسليم بالحسن والقبح العقليين ، وأن العقل يدرك حسنا وقبحا واقعيا ثابتا في نفس الأمر ، فعلى هذا لا معنى لكلماتهم التي نقلناها في تخلّصهم من الشبهة المذكورة.
وذلك لأن العقل في باب الحسن والقبح ، لا يرى فرقا أصلا بين حركة الأمعاء التي تنشأ من الخوف مثلا ، وبين حركة الأصابع التي تنشأ من الإرادة ، فالإنسان إذا خاف تتحرك أمعاؤه لمرض فيها ، كما أن الإنسان إذا اشتهى أن يأكل يحرك أصابعه ، فلا فرق في نظر العقل الحاكم بالحسن والقبح بين المطلبين ، من صحة العقاب في الثاني دونه في الأول ، فكما أنه لا يعاقب على حركة الأمعاء لأنها تولدت بالضرورة من الخوف من السبع ، كذلك لا يعاقب على حركة الأصابع لأن هذا الشخص أراد أن يأكل ، وهذه الإرادة كذاك الخوف ، فكما أن ذاك الخوف معلول لأمور خارجية كذلك هذه الإرادة معلولة
__________________
(١) الاختيار : لغة ، الاصطفاء ، وكذلك التخيّر ، وهو الانتقاء أيضا ، كما في لسان العرب ـ مادة «خير» والآية تقول : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ، ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) قال الزجّاج : المعنى : ربك يخلق ما يشاء ، وربك يختار (وليس لهم الخيرة) أي ليس لهم أن يختاروا على الله (ر ه) (اللسان). المقرّر