ومن هنا قالوا ، بأن ضرورة الفعل الناشئة من الإرادة ، تؤكد الاختيار (١) ولا تنافيه ، وذلك لما بيّنا من أن الاختيار إنما هو بصدق القضية الشرطية ، وهي «أنه لو أراد لصلّى» ، فلو ثبت أن الصلاة تصبح ضرورية عند الإرادة ، فهذا تأكيد للملازمة بين الشرط والجزاء ، وتحقيق بيّن لصدق القضية الشرطية ، فلو لم يكن هناك ضرورة ولا بدية للصلاة على تقدير الإرادة ، لانثلمت القضية الشرطية ، ولما كانت مضمونة الصدق.
إذن فالضرورة التي تنشأ من الإرادة مؤكدة لصدق القضية الشرطية وللاختيارية وليست منافية للاختيار ، وهذا هو مرجع ما قاله صاحب الكفاية (قده) من أن الفعل الاختياري ما يكون (٢) صادرا عن الإرادة بمبادئها ، لا ما يكون صادرا عن الإرادة الصادرة أيضا عن اختيار ، وهكذا ، بل روح الفعل الاختياري بأن يكون الفعل صادرا عن الإرادة ، بمعنى أنه «لو أراد لفعل» بحيث تصدق القضية الشرطية فمتى ما صدق «أنه لو أراد لفعل» فالاختيار ثابت ، ومتى لم يصدق ذلك ، فالاختيار منفي.
وهذا الكلام الذي قاله الفلاسفة ، هو بحسب الحقيقة ، مبني على ما ذكرناه من تفسيرهم للاختيار ، وهو أن الاختيار عبارة عن صدق القضية الشرطية ، وهي أنه «لو أراد لفعل» وحينئذ ، بعد فرض هذا التفسير ، يتم الاستنتاج الذي قالوه ، من أن القضية الشرطية صادقة في جميع موارد الفعل الاختياري ، ولا يضرّ بصدقها وجوب الشرط ذاتا أو بالغير ،
إلّا أن تفسيرهم هذا محل كلام ، فإن كان تفسيرهم مجرد اصطلاح لتغطية المسألة ، فلا مشاحة في الاصطلاح ، إذ يمكن الاصطلاح على أن كل فعل تصدق عليه القضية الشرطية هو فعل اختياري ، وإن كان هذا التفسير مرجعه إلى تشخيص لغوي ، وهو أن الاختيار في اللغة ، معناه أن الفعل الذي
__________________
(١) الشيخ الرئيس ـ النجاة ص ٣٧.
(٢) المشكيني ج ١ ص ١٠٠.