وبهذا ، التنبؤ بتصرفه. يكون مشكلا ، فلعلّه يميل الآن روحيا إلى أن يقف ولا يهرب ، ويتلقّى الحجر في جبهته ، فهذا محتمل في الإنسان دونه في الحيوان.
ثانيا : باعتبار وجود العقل عند الإنسان ، فهو يتحكّم في هذه الغرائز والميول ، وينظر إلى المصالح والمفاسد ، وبهذا تكون دائرة التصرفات البديلة ، الممكن صدورها من الإنسان ، أوسع منها عند الحيوان ، فينتزع عن الإنسان عنوان الاختيار ، فالاختيار عنوان ، ينتزعه العقل ، من سعة منطقة الفراغ ، ودائرة الفرصة التي تعطيها الطبيعة للكائن ، فالطبيعة إن لم تعط للكائن أيّ فرصة ، وإنما عيّنت له خطا مرسوما من البداية إلى النهاية ، فهذا قسر محض ، وإن أعطته فرصة ، بحيث أصبح من المشكل ، معرفة ما يصدر منه بعد ذلك ، فهذا هو الاختيار.
وهذا الكلام ، وأن صدر من جملة من الفلاسفة ، ولكن لا محصّل له ، لأن مرجعه إلى أن الاختيار ، أمر وهمي غير حقيقي ، وتوضيحه ، أن قولهم أن الفرصة المتاحة للحيوان ، أكبر من الفرصة المتاحة للحجر ، والفرصة المتاحة للإنسان ، أكبر من الفرصة المتاحة للحيوان ، إنما هو التفات إلى نظر الملاحظ ، الذي لم يستوعب تمام الخصوصيات والنكات ، فإنّ هذا الملاحظ ، لا يستطيع أن يتنبأ بخط سير الهرة ، يمينا أو شمالا ، ولا بخط سير الإنسان هروبا أو وقوفا ، وأمّا الملاحظ المطّلع على الخصوصيات والنكات الدخيلة في تصرف الإنسان ، أو في تصرف الحيوان ، سوف يتنبأ حتما بالنتيجة ، فما يحسبه العقل اختيارا ، إنما هو توهّم ، نتيجة الجهل بالخصوصيات ، حيث أن الخصوصيات الدخيلة في تحرك الإنسان وتحرك الحيوان ، خصوصيات كثيرة وغامضة ، وبعضها نفساني ، وبعضها خارجي ، ولا يمكن استيعابها ، ولهذا ، العقل يتوهم أن هذا الإنسان يختار ، أمّا لو استوعبت تمام الخصوصيات الدخيلة في تحركه ، فيصير حاله حال الحجر ، فكما أن الحجر يتنبأ بالدقة في خط سيره ، فكذلك يتنبّأ هنا ، لو اطّلع على تمام الخصوصيات ، فالقول أنّ