الذي تصوره بعض الفلاسفة ، يشكّل دورا واضحا ، ونشير هنا بشكل مجمل إلى هذا : فمثلا قد يقال ، بأن هذه القاعدة ، يمكن إثباتها بالبرهان ، وذلك لأن الحادثة ، لو وجدت من دون علة ، ومن دون وجوب ، مع إمكان الوجود والعدم ، للزم ترجيح أحد المتساويين بلا مرجح ، وترجيح أحد المتساويين على الآخر ، بلا مرجح. محال ، إذن فلا يعقل أن توجد الحادثة ، إلّا إذا تبدل إمكانها بالوجوب بالغير.
وهذا برهان ، لإثبات قاعدة ، أن الشيء «ما لم يجب لا يوجد» ، وهو غير صحيح في المقام ، وذلك.
لأن نفس استحالة الترجيح بلا مرجح ، عبارة أخرى عن قانون العليّة ، لأن الترجيح بلا مرجح ، معناه ، أنه يوجد رجحان بلا سبب اقتضاه ، وهذا عبارة أخرى ، عن أن المعلول ، يوجد بلا علة (١) ، فكأنه برهن على قانون العليّة بقانون العليّة ، لأنك حينما تبرهن ، على أن الحادثة ، لا يمكن أن توجد ، إلّا إذا تبدّل إمكانها بالوجوب بالغير ، ووجدت العلة الموجبة ، فأنت بما ذا تبرهن على ذلك؟. ألا ترى أنه إذا وجدت الحادثة ، مع أنها ممكنة ، لزم ترجيح أحد المتساويين على الآخر بلا مرجح ، وهذا عبارة ، عن لزوم وجود المعلول بلا علة ، فكأنك استدللت على مبدأ العلّية ، بأنه لولاه ، للزم وجود المعلول بلا علة ، وهذا مصادرة على المطلوب.
فقانون العلّية ، ليس قانونا مبرهنا عليه بهذا العنوان ، وإنما هو قانون ، يتقبله العقل السليم والفطرة السليمة ، كقضية بديهية ، لا يبرهن عليها ، ومن هنا ، لا بدّ من الرجوع إلى الفطرة السليمة ، التي أدركت هذا القانون ، لتقول كلمتها في المقام.
__________________
(١) الأسس المنطقية للاستقراء ص ٥٤ ـ ٥٦ ـ ٦٣.