الإرادة ، هل يمكن أن تنشأ من الاعتقاد بالمصلحة في نفس الإرادة ، أو لا يمكن (١) ذلك ، قد يقال إن هذا ممكن وواقع عرفا في جملة من الموارد ، ويمكن أن نذكر موردين منها :
المورد الأول
ما إذا فرض أن الشخص كان يريد أن يصوم وهو مسافر ، فقالوا بأنه ينوي الإقامة ، فقد يتفق كثيرا ، أن لا يرى أي مصلحة في الإقامة ، بحيث لو لا مصلحة الصوم ، لا ينوي الإقامة ، إذن فهنا يوجد مصلحة في نفس إرادة الإقامة ، لا في البقاء عشرة أيام خارجا ، لأنه لو أراد بقاء عشرة أيام ، وصام وانتهى صومه ، وبعد هذا أراد أن يترك الإقامة ، قبل أن تنتهي العشرة أيام ، فصومه صحيح بلا إشكال ، فالمصلحة المنظورة للمكلّف ، وهي تصحيح الصوم ، قائمة بقصد وإرادة الإقامة ، لا بنفس الإقامة خارجا ، إذن فقد نشأت الإرادة هنا ، من مصلحة في نفس الإرادة ، لا من مصلحة في المراد ، لأنه لا يرى أي مصلحة في أن يقيم عشرة أيام ، هذا قد يقال كمثال ، لتقريب إمكان نشوء الإرادة ، من مصلحة في نفس الإرادة ، وجدانا وعرفا.
ولكن المحقق العراقي (قده) ، ذهب إلى استحالة هذا الإمكان ، إذ لا يمكن ، فرض نشوء الإرادة من مصلحة في نفسها ، فيما إذا لم يكن مصلحة في المراد ، وذلك للزوم الترجيح بلا مرجح (٢) ، إذ بعد فرض أن الفعل والترك ، كلاهما على حد واحد بالنسبة إلى المكلّف ، فاقتضاء الفعل للإرادة ، بدون الترك ، يكون ترجيحا بلا مرجح ، وهو مستحيل.
والكلام هنا يقع أولا في أصل معقولية هذا ، وعدم معقوليته ، وثانيا يقع في هذا الفرع الفقهي ، وهو أن المكلف ، إذا كان حصول الإرادة له ، أمرا غير معقول ، فكيف يصحح صومه خارجا؟. فالكلام يقع في جهتين.
__________________
(١) بدائع الأفكار ـ الآملي ـ ج ١ ص ٢٠٧.
(٢) بدائع الأفكار ـ الآملي ج ١ ص ٢٠٨.