اولي الألباب انه لا مالك ولا ولي للناس وأمورهم إلا الله ومن سواه كائنا من كان لا بد أن تكون مالكيته وولايته للناس وأمورهم بإعطائه تعالى وتمليكه ولما كانت الآية الكريمة قضية حقيقية فلا محالة يكون الموضوع في القضايا الحقيقية مفروضة الوجود والحكم محمول على الموضوعات المقدرة وجودها فالموضوع في قوله تعالى (أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ) هو عموم المسلمين الى يوم القيامة والمتعلق في كلتا القضيتين هو طاعة الرسول وطاعة أولي الأمر فيجب على جميع المسلمين الى يوم القيامة طاعة الرسول وطاعة أوليائه الأمور واللام في قوله تعالى الأمر للعموم والاستغراق اي جميع الأمور التي كانت تحت ولايتهم وكان تدبيرها وتنظيمها منوطا بآرائهم وسيجيء توضيحه إنشاء.
وهذه الجملة عطف على سابقتها والكلام في سنخ الوجوب في هذه الجملة بعينه الكلام في الجملة المعطوفة عليها وقد أوضحنا في السابقة ان وجوب طاعة الرسول وجوب مولوي موضوعي بالنسبة إلى شخص الرسول (ص) وكذلك الكلام في وجوب طاعة أولياء الأمور فالوجوب في هذه الجملة أيضا وجوب مولوي موضوعي بالنسبة إلى شخص اولي الأمر ولا يجوز ان يقال ان طاعة ولي الأمر في هذه الآية الكريمة انما هو من باب ان طاعته طريق وموصل إلى طاعة الله سبحانه لما ذكرنا ان كل عمل تبليغي وتعليمي من الرسول وأوليائه أولياء الأمور من أصحابهم المتعلمين منهم وأن كثرت وتوفرت في أقطار الأرض في الأعصار الماضية وفي زماننا أيضا من الفتاوي والدراسات كلها داخلة ومندرجة في قوله تعالى (أَطِيعُوا اللهَ) اي ان كلها واقعة في طريق طاعته تعالى ولو قلنا أن الوجوب في قوله تعالى (وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وجوب طريقي إلى طاعته تعالى لزم التكرار من غير طائل فلا محالة يكون الوجوب فيها وجوبا مولويا موضوعيا ومرجع هذا الوجوب عند التحليل هو إعطائه تعالى إياه الولاية التشريعية لأمور الناس وتدبير اجتماعهم وتنظيم شئون حياتهم في الدنيا بحيث يكون موصلا إلى السعادة في آخرتهم.
ولا يخفى أن الظاهر من الآية الكريمة ان إيجاب طاعتهم انما هو بعد وجدانهم وفوزهم لولاية الأمر وفي مرتبة متأخرة عن مرتبة تحقق الولاية لهم لا انهم يصيرون فائزين بالولاية بوجوب طاعتهم حتى تكون الولاية أمرا انتزاعيا من إيجاب الطاعة ويأتي مزيد توضيح لذلك إن شاء الله.
وضروري عند أولي الألباب أن إيجاب الطاعة لأولياء الأمور دليل قاطع على عصمتهم وطهارتهم ودليل قاطع على أنهم اعلم الخلق على وجه الأرض بكتاب الله