وبما قبله.
قلت : قد كان في ضمن معنى التوديع والقلي ان الله مواصلك بالوحي إليك وأنت حبيب الله ولا يرى كرامة أعظم من ذلك ولا نعمة أجل منه وأخبره ان حاله في الآخرة أعظم من ذلك وهو السبق والتقدم على جميع أنبياء الله ورسله وشهادة أمته على سائر الأمم ورفع درجات المؤمنين وإعلاء مراتبهم بشفاعته وغير ذلك من الكرامات السنية انتهى.
أقول لا يخفى ما فيه من الوهن والاختلال ولم يأت بقول فصل في توجيه قوله تعالى (ما وَدَّعَكَ) الآية ولم يعين الغرض المسوق له الكلام فكأنه رضي بما ورد في رواياتهم ان الآية نزلت في تكذيب من قال ان الله تعالى ودعه وقلاه وأيضا أن قوله وأخبره ان حاله إلخ أي هو وعد من الله سبحانه أو اخبار ان الله سبحانه أراد ذلك وسنشير الى توضيحه في ذيل البحث إن شاء الله. فالآيات الكريمة وظاهر سياقها انها في مقام تزهيده (ص) عن الدنيا ونعيمها وزينتها زهد الراحل عنها وتشويقه تعالى رسوله وصفية إلى الآخرة وترغيبه (ص) الى ما أعد الله سبحانه لأوليائه وأهل الوفاء به من كراماتها الجليلة السنية من جملتها هذه الكرامات وعده تعالى وعدا جميلا أن يعطيه من مواهبه ما يرضى.
وأعلمه وأخبره أن تزهيده عن الدنيا وعدم اختياره تعالى لرسوله ليس إلا لأجل احتقار الدنيا وانها تليق ولا تناسب لعلو شأنه وكريم مقامه لا لأجل انه تعالى ودعه وقلاه ومن اللطائف في هذه السورة المباركة انه سبحانه اقسم بنور الشمس وبالليل الساجي انه تعالى ما ودع حبيبه ورسوله وما قلاه وأكرمه بتشريف المخاطبة الحضورية بكاف الخطاب مرة بعد اخرى. قوله (وَلَلْآخِرَةُ) الآية ـ عطف على قوله تعالى (ما وَدَّعَكَ) الآية واللام للتأكيد وقوله تعالى (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ) الآية اقسم تعالى بضحى النهار وبالليل الساجي وهذه الجملة بلام التأكيد للاهتمام الأكيد بتزهيده (ص) وطيب نفسه عن الدنيا. والظاهر أن المراد هي دار كرامته تعالى لأحبائه المقابلة للدنيا والمراد بالدنيا هي الدنيا الزائلة المقابلة للآخرة وليس سياق الآية الأخبار المحض والوعظ والنصح بل الظاهر انها أعلام منه تعالى انه اختار ورضي لرسوله وصفية الدار الآخرة إكراما وتجليلا وضروري أن اختياره ورضاه شيئا سبحانه لرسوله هو اختيار الرسول (ص) ورضاه لا يعدل عنه الى غيره.
في الدر المنثور ج ٦ ص ٣٦١ واخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله (ص) انا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا (وَلَسَوْفَ