قوله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ). الآية الأعراف / ٣١.
وزعم بعض الأعيان ان الإطلاق من كلا الوجهين وخلط تفسير هذه الآية بالآية التالية وهي قوله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ.) الآية (أعراف ٣١) الصريحة بحسب المورد والمفاد في جنس الملبوس والمأكول والمشروب وقال ان هذه الآية المبحوثة مؤكدة بهذه الآية.
وقال الجصاص ج ٣ ص ٤١ في كتاب أحكام القرآن بعد ذكر الآية التالية وفيه تأكيد لما قدم إباحته في قوله (خُذُوا زِينَتَكُمْ) الآية انتهى.
أقول فاللازم تفكيك تفسير الآيتين والأخذ بصريح الآية التالية في موردها في جنس المأكول والملبوس ما عدا موارد التقييد والأخذ بالآية المبحوثة بمقدار شمول إطلاقها من حيث خصوصيات الأكل والشرب والشاهد القطعي على ما ذكرنا ذيل الآية قوله تعالى (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) فإن النهي عن الإسراف لا يخلو من أن يكون باعتبار الأعيان والطيبات فلا معنى للنهي عنها بلحاظ أنها أعيان طيبة واما باعتبار الأعيان التي لا يوكل مثل الخبائث وأمثالها فلا معنى للنهي عنها فإنها كانت قبل الإسراف حراما فتلخص ان مفاد قوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا) أي ما طاب وأحل لكم (وَلا تُسْرِفُوا) فيما يصرفون من المطاعم والمشارب وقد بينوا تفصيل ذلك في الكتب الموضوعة لذلك وكذلك الكلام بعينه في قوله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ) الآية على ما قدمنا تفسيرها.
قوله تعالى ولا تسرفوا الآية قد يتوهم في بدو النظر اختلاف معنى الإسراف بحسب الاستعمالات الواردة في الكتاب والسنة مثل قوله تعالى (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) (إسراء ٣٣) (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ.) الآية (زمر ٥٣) الإسراف في المعصية وهكذا من الموارد وبديهي ان هذا الاختلاف ناشىء من ناحية متعلق الإسراف مثل القتل والطغيان والعصيان وغيرها من حيث المعنى الموضوع له فالإسراف على ما في القاموس ضد القصد وفي كلمات بعض المفسرين التجاوز عن الحد.
إذا تقرر ذلك فنقول ان محل البحث هو الإسراف في الأكل والشرب والتجاوز عن الحد والقصد المطلوب ولا ريب ان ظاهر إطلاق النهي يقتضي التحريم وظاهر عبارة بعض المحققين الاستدلال على التحريم بقوله تعالى لا يحب قال أي يبغضه. وأنت ترى ما فيه من الضعف فان عدم المحبة أعم من البغض وعدمه وليس بنص ولا ظاهر في التحريم والتعبير الأحسن عبارة البيضاوي قال اي لا يرضى فان عدم الرضا لا يخلو عن الظهور في التحريم كما في وله تعالى (لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) الا ان تفسير عدم المحبة بعدم الرضا يطالب بالدليل لعدم ترادف بين اللفظين وخاصة في أفعاله تعالى الخارجة عن حدود التصور والتوهم.