طبع روحانيتهم ونورانيتهم الى ما يلقى ويوحي إليهم من الأحكام والوظائف بما يناسب موقفهم كي يأخذوا بها ويمتثلونها عن جد ونشاط ، وقيل انه كان متزملا في مرط عائشة فنزلت وخوطب بقوله (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ). أقول. هذا الوجه غير سديد أيضا فليست اليوم كانت ثمة عائشة ولم يكن يتزوج بها رسول الله بعد.
عن ابن ابي الحديد قال تزوجها رسول الله قبل الهجرة بسنتين بعد وفاة خديجة (رض) وهي بنت سبع سنين وبنى عليها في المدينة وهي بنت تسعة ، وعشرة أشهر والظاهر انه لا خلاف بين أهل السير أن رسول الله (ص) بني عليها بعد الهجرة بالمدينة وذكر ان مولد عائشة كان في السنة الرابعة من النبوة.
وقيل أيضا في شأن نزولها كما في الكشاف دخل على خديجة وقد جثت خوفا أول ما أتاه جبرائيل وبوادره ترعد فقال زملوني زملوني وحسب انه عزوجل عرض له فبينا هو على ذلك إذ ناداه جبرئيل يا ايها المزمل انتهى ـ قوله جثت اي فزع قوله بوادرة البوادر اللحمة بين المنكب والعنق.
أقول هذا القول في نهاية الرداءة والوهن إذ لا وجه لفزعه وخوفه من جبرئيل واضطرابه وارتعاده حين يشرف عليه جبرئيل فإنه مع عظمة روحه وسعة وجوده وشدة عرفانه بالله تعالى ومعرفته بما سواه من الأشياء وأعيان الموجودات لم يكن لوحشته ودهشته من جبرئيل وجه معقول بل كان آنس شيء بجبرئيل وبما جاء به من الوحي فإن الظاهر من بعض الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت ان نزول ملك الوحي على الإنسان الرسول انما بعد استكماله في مراتب النبوة ووفود الملك وكلام الإنسان معه يسمى رسالة فحين نزل عليه الملك قد بلغ بحسب الكمالات والمعارف بحيث ان مشاهدة الملك وكلامه مرتبة ومتوقفة رتبة وزمانا على ما تقدمه من العلوم والمعارف الإلهية وهذا هو الحق المبين.
وقد أساء الزمخشري الأدب ساحة قدس رسول الله ولم يعرف أنه (ص) يدعو الناس الى الايمان بالله وباليوم الآخر وبالدار الآخرة وواضح عند أرباب الشرائع ان الدار الآخرة مع جميع ما فيها من الحقائق والأعيان وسكانها كلها حقائق وأعيان مادية لطيفة قبل مرتبة الدنيا والدنيا واقعة في مرتبة متأخرة في طول الآخرة وقد كشف القرآن الكريم عن هذه الحقيقة العقلية وهذه من أجل العلوم ونفائس المعارف الإلهية وقد تفرد القرآن الكريم بكشفها بأنحاء من البيان مجملا ومفصلا مع عناية واهتمام بالغ في شأنها ودعوة الناس إليها وقد عجز عن نيل عالم الآخرة بهذا المعنى أعاظم الفلاسفة وأكابر الصوفية ووقفوا في مهاوي الخرافات العجيبة وارتكبوا في تأويل الآيات الكاشفة عن عالم الآخرة المادية اللطيفة وأعيانها تأويلات باردة ركيكة وأصروا عليها.