ولم يتفطن الزمخشري أنه (ص) مشرف على عالم الآخرة ومشاهد إياها ويدعو الناس الى الايمان وانما يدعو إليها على علم وعيان بها ولا محصل لقوله انه دهش واضطرب عن مشاهدة الملك وحسب انه قد عرض له.
أقول كان (ص) على طمأنينة وسكينة إلهية وقد كان على بصيرة وبينة وبرهان من ربه تعالى وفي معرفة ما نزل اليه من ملك الوحي ومعرفة ما أرسل إليه بوساطة الملك وانه أمين من أمنائه تعالى وعباده المصطفين وان ما أرسل به حق من عند الله سبحانه وكذلك في معرفة ما يأخذ من الله سبحانه مستقيما من دون وساطة الملك وقد تقرر في محله انه ما صار رسول رسولا ولا نبيا ولا إمام اماما الا مقارنا بوجدان روح القدس وحمل الاسم الأعظم وهو الحجة الواضحة المصونة بذاتها بين الرسول (ص) والنبي وبين ما ينزل عليه من الملك ومن الوحي والحقائق الأخرى في ذلك الباب فيؤيد بهذا الروح وبهذا الاسم الكريم فبه يعرف حقيقة الرسالة والنبوة وبه يأخذ النبوة والرسالة من الله وبه يعرفها ويحفظها ويحملها ويؤدبها ويبلغها والمراد بهذا الروح وبهذا الاسم هو العلم المفاض من الله سبحانه على الإنسان النبي والرسول مقارنا مع الرسالة والنبوة أو مقدما على ذلك فهو (ص) اعرف وأبصر بهذه الحقيقة يستحيل ان يعرض عليه اضطراب أو دهشة عند إشرافه بمشاهدة الملك ومعاينته وهذه كرامة عجيبة قد خص الله سبحانه بها أنبيائه ورسله وحججه هذا هو سر العصمة ووجه السكينة والطمأنينة الإلهية في الأنبياء والرسل والحجج وعلى ذلك شواهد شافية كافية في الكتاب والسنة وقد استقصيناها في بعض ابحاثنا في التفسير تحت عنوان الروح في القرآن الكريم وبذلنا الجهد في تفسير الآيات الماسة بذلك حسب الوسع والمقدور وأوردنا من الروايات الناصة ما فيها شفاء الصدور. انتهى.
أقول وأما قول الزمخشري في تقرير القول الثالث «وحسب انه عرض له» كلام ساقط لا يلائم بمقام الرسالة والنبوة فان إشرافه (ص) على مشاهدة الملك وعيان ما فوق عالم المادة الدنيوية من أجل العلوم الإلهية وأشرف المعارف الربوبية ولا يقاس علومهم بعلوم ما سواهم من البشر فان أعاظم العلماء البشرية ليس لعلمهم عصمة ذاتية بل يعلمون يخطئون ويصيبون بخلاف علوم الأنبياء فإن لهم علما بالواقعيات وعلما بإصابتهم فعلومهم مصونة بذاتها عن الخطأ بالعصمة والمصونة الذاتية وهل يرضى عالم منصف ان يقول ان رسول الله (ص) حين أشرف على مشاهدة الملك وحين تجلى له الملك من حجب الغيوب (حسب انه قد عرض له) نعوذ بالله.
وقيل ان المراد به المتحمل وفي أقرب الموارد ازمل الحمل مرة واحدة وفيه أيضا في معاني زمل الى أن قال الشيء حمله.