بالتوحيد والتسليم المحض وإسلام الوجه بكليته لله سبحانه اقتداء واتباعا لملة إبراهيم فإنه قد كان (ص) ممن أسلم وجهه لله سبحانه. قال تعالى (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ـ إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) ـ البقرة.
فهذه الآية الكريمة في مقام الثناء على إبراهيم (ع) والتقدير والتشكر له وصريحة انه قد أسلم لله وانقطع الى جنابه جل ثناؤه وهذا الموقف الخطير من أجل مواقفه ولم يطأ هذا الموقف أحد إلا قليل من المقربين وقد دخل حريم القرب وجلس مجلس الانس وقد كان (ع) مراقبا ومحافظا لأدب الحضور حيث كلمه ربه تعالى بقوله (أَسْلِمْ) (قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) مراعيا لجلالة تعالى وكبريائه ولم يرسل نفسه ولم يقل أسلمت لك ونظائرها من الجواب.
فاتضح مما ذكرنا ان قوله تعالى (وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) عطف تفسيري لقوله تعالى (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) وأجنبي عما توهمه المستدل من الاتباع في أمثال خصال العشرة.
والظاهر من هذه الآية الكريمة ونظائرها في القرآن الكريم أن المراد بالملة ملة إبراهيم في هذه الآيات هو التوحيد الذي جاهد إبراهيم في بلاغة وتحكيمه مجاهدات كثيرة قال تعالى حكاية عن يوسف الصديق (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) يوسف ٢٨ وأما الآية الثانية هي قوله تعالى (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) الآية. الحج ـ ٧٨.
قال في المجمع : ج ٧ ص ٩٨ ملة أبيكم منصوب بإضمار فعل تقديره واتبعوا وقرروا ملة أبيكم انتهى.
أقول فعلى هذا تكون هذه الآية أيضا كما في نظائرها مسوقة للتذكر الى التوحيد أي اتبعوا صراط التوحيد ومنهاج الإسلام وهي أيضا أجنبية عما ذكروه ان المراد بالكلمات الخصال العشرة في الآية المبحوثة وان المراد من وجوب اتباع الملة اتباع إبراهيم (ع) في الآيتان بالخصال المذكورة أو يعمها ويشملها.
فان قلت فأي مانع من القول بإطلاق الملة وشمولها للخصال العشرة.