قلت : لا كلام في أن الخصال العشر بحسب الأدلة من أجزاء الدين الا ان الآيات مسوقة في التذكر الى التوحيد والاحتجاج على المشركين في إثباته وتحكيمه ووجوب اتباعه وإبطال الشرك وتقبيح اتباعه فمورد النفي والإثبات هو التوحيد والشرك لا الدين على الإطلاق.
(الوجه الثاني :) ظاهر الآية ان الله سبحانه اختبر إبراهيم عليهالسلام بهذه الكلمات فأتمها إبراهيم (ع) وعمل بها فجعله تعالى وسيلة لنيل مقام الإمامة.
فلو كان مورد الاختبار والإتمام قبل مرتبة الرسالة والنبوة والإمامة فلا محالة يتوقف تسنينها وتقنينها على ان يكون إبراهيم رسولا ونبيا واماما إذ لا محصل ان يكون الإنسان العادي غير الرسول والامام سن من عند نفسه خصالا وعمل بها فجعله تعالى بامتثالها رسولا اماما بداهة ليس له حق التشريع والتسنين فضلا ان يكون هذا التشريع والعمل به وسيلة إلى نيل الرسالة والإمامة.
(الوجه الثالث :) ان يكون معنى قولهم الخصال التي سنها إبراهيم (ع) اي سنها تعالى وأمر بإتيانها في مرتبة الرسالة له والنبوة فأتمها إبراهيم وصار به مستحقا لمقام الإمامة.
فيرد عليه ان الخصال المذكورة يخرج عن عهدة امتثالها أضعف المؤمنين فكيف يصح ان الله تعالى اختبر أعظم نبي من أنبيائه فجعله بامتثالها اماما للناس قيل انه لا دليل في المقام ان المراد من الكلمات هي الخصال العشرة سواء قلنا انها مسنونة بتسنين إبراهيم أو تسنينه تعالى اوحي الى إبراهيم واختبر بذلك وسنزيد لذلك توضيحا في تفسير قوله تعالى (قالَ إِنِّي جاعِلُكَ) الآية.
قوله تعالى (فَأَتَمَّهُنَ) ـ المناسب للسياق ان فاعل أتم هو الله سبحانه ومعنى إتمامه تعالى الكلمات في شأن إبراهيم انه عليهالسلام بعد ابتلائه بالكلمات قام بها قيام المخلصين وجد واجتهد في امتثالها اجتهاد العابدين المجتهدين وفي بعهده تعالى وابتغى مرضاته بأتم ما يمكن وأكمل ما يكون وحيث انه تحت حمايته تعالى ومستظل في ظل عنايته وولايته وعصمته نسب الإتمام إلى نفسه القدوس بعناية المساعدة الكاملة والتأييد في حقه وفي هذا التعبير غاية التشريف لإبراهيم (ع) كما في قوله تعالى (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) وفيه اشعار لإبراز التشكر والتقدير