الأول : هو الانصراف ، أي انصراف الذهن من لفظ الأمر والنهي إلى الواجب النفسي والحرام النفسي وإلى الواجب التعييني والحرام التعييني وإلى الواجب العيني والحرام العيني ، كما ينصرف الذهن من اطلاق لفظ الماء إلى الماء البارد الصافي.
والثاني : هو الاطلاق ، أي اطلاق لفظ الأمر والنهي ، كما انه إذا ذكرت صيغة الأمر والنهي في الكلام غير مقيّدة بقيد الواجب الغيري ولا قيد الواجب التخييري ولا قيد الواجب الكفائي ، استفيد من اطلاق صيغة الأمر الوجوب النفسي العيني التعييني ، وكذا يستفاد من اطلاق لفظ الأمر والنهي الوجوب المذكور والحرمة المذكورة.
فالوجوب الذي يستفاد من اطلاق لفظ الأمر غير مقيد بوجوب شيء آخر ، وبعدم ايجاد شيء آخر ، وبعدم اتيان شخص آخر ، فهذا الاطلاق يدل على كون الوجوب نفسيا عينيا تعيينيا ، لا غيريا ولا كفائيا ولا تخييريا.
فالحرمة التي تستفاد من اطلاق لفظ النهي غير مقيدة بحرمة شيء آخر ، وبعدم ترك شيء آخر ، وبعدم ترك شخص آخر ، فهذا الاطلاق يدل على كون الحرمة نفسية عينية تعيينية ، لا غيرية ولا كفائية ولا تخييرية.
وفيه : ان منشأ الانصراف إما غلبة الوجود وإما كثرة الاستعمال.
فالأولى : باطلة صغرى وكبرى ، إذ الوجوب بمعنى كونه نفسيا عينيا تعيينيا ، لا يكون غالبا ، من حيث الوجود في الشريعة المقدسة لكثرة خلافها وجودا فيها ايضا ، ولو سلّمنا كونه غالبا فغلبته من حيث الوجود لا توجب الانصراف عند اطلاق مادّة الأمر كما قرر هذا في محلّه.
والثانية : باطلة صغرى لكثرة استعمال لفظ الأمر شرعا وعرفا في الواجب الغيري والكفائي والتخييري ، وأما كبرى فهي توجب الانصراف ، إلّا انها لا تنفع في المقام لقيام القرينة العقلية في المقام التي هي عموم الملاك وهو عبارة عن تضاد مطلق الوجوب مع مطلق الحرمة ، كما مرّ سابقا. فدعوى الانصراف في مادة الأمر