في هذه المسألة متمركز فيما إذا كان المناط موجودا لكلا الحكمين (الوجوب والحرمة) في مورد الاجتماع على القول بالجواز ، لأن القائل بجواز الاجتماع يقول بوجود المناط في المجمع لكلا الحكمين. والقائل بالامتناع يقول بوجود المناط في المجمع لأحد الحكمين. ولهذا يقع التزاحم في مورد الاجتماع على القول بالجواز ويقع التعارض في المجمع على القول بالامتناع.
واما إذا كان المناط لأحدهما موجودا في المجمع فيحكم بوجوده قطعا من غير فرق بين الجواز والامتناع في المسألة في وجود حكم ذي مناط في المجمع.
وأما إذا لم يكن المناط لا للوجوب ولا للحرمة فلا يحكم ، لا به ولا بها ، لأن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد الواقعية ، كما عليه العدلية والمعتزلة خلافا للأشاعرة. بل يحكم بالاباحة في مورد الاجتماع كاتيان الصلاة في الصحراء مثلا ، بلا فرق بين الجواز والامتناع في عدم وجوب هذا المورد وفي عدم حرمته.
قوله : هذا المطلب المذكور في مقام الثبوت والواقع ...
والمقام لا يخلو ثبوتا من احدى الاحتمالات الثلاث ، واما بحسب مقام الدلالة والاثبات فالروايتان الدالّتان على الحكمين : الوجوب مثل : (اكرم العلماء) ، والحرمة مثل : (لا تكرم الشعراء) متعارضتان ، إذا أحرز ان المناط في احدهما فقط ، فلا بدّ حينئذ من عمل المعارضة بينهما من ترجيح أحدهما على الآخر بواسطة مرجحات أحد المتعارضين على المعارض الآخر ، مثل كون احدهما اقوى سندا ، أو اقوى دلالة ، ومثل كون احدهما موافقا للعامة والآخر مخالفا لها. ومثل كون احدهما موافقا للكتاب العزيز والآخر مخالفا له. ومثل كون احدهما مشهورا والآخر شاذا ، كما في مقبولة عمر بن حنظلة عليه الرحمة.
وان تساويا من جميع الجهات المذكورة آنفا فيحكم حينئذ بالتخيير الشرعي بينهما في المجمع من حيث الفعل والترك. يعني : اما يكرم العالم الشاعر حتى يمتثل الأمر ، واما ان لا يكرم العالم الشاعر كي يمتثل النهي.