المتكلمين موافقة الأمر أو الشريعة.
وحاصل التعريض ان اختلافهم في تعريف الصحة ليس لاختلافهم في معناها لغة ، بل هي عند الجميع بمعنى واحد لكن لمّا كان المقصود بتعريفهما الاشارة الى بعض لوازمها وآثارها ، وكان الأثر المترتب عليها مختلفا باختلاف مقاصدهم ، فلذا اختلف تعريفها باختلاف الأثر المقصود ، فعرفها الفقهاء باسقاط الاعادة والقضاء لانه الأثر المقصود في البحث عن فعل المكلف من حيث الصحة والاقتضاء والتخيير. وعرفها المتكلمون بموافقة الأمر أو الشريعة لكونه انسب بمقصدهم بالبحث عن حيثية استحقاق الثواب والعقاب.
ولا يخفى ان اختلاف الصحة والفساد بحسب الآثار والانظار لا يوجب اختلافا في المعنى. فالاتمام مثلا مكان القصر نسيانا يوجب الاعادة في الوقت دون القضاء خارجه. فهو صحيح بحسب أثر وهو سقوط القضاء وفاسد بحسب أثر آخر وهو عدم سقوط الاعادة في الوقت بعد رفع النسيان ، وهكذا المأمور به بالأمر الاضطراري المعبر عنه بالواقعي الثانوي أيضا ، أو المأمور به الظاهري ، فيكون هذا موافقا للأمر الاضطراري أو للأمر الظاهري ، ومخالفا للأمر الواقعي الاولي ، فهذا صحيح بحسب أمر وفاسد بحسب أمر آخر ، ولكن اجزاءهما عن الأمر الواقعي الاولي محل النزاع بين الاعلام. قال بعضهم بالاجزاء عنه ، مثلا إذا صلّى المكلف بالتيمم او صلى جالسا فهي مجزية عن الأمر الواقعي الاولي ، كما يجزيان عن امر نفسهما إذا قدر على القيام في الوقت أو وجد الماء فيه ، أي في الوقت ، وقال بعضهم الآخر بعدم الاجزاء عنه. كما مرّ في بحث الإجزاء في الجزء الاول ، فيكون الاتيان بهما صحيحا بنظر مسقطا للاعادة والقضاء وفاسدا بنظر آخر غير مسقط لهما.
وقد اشار المصنّف رضى الله عنه الى هذا بقوله : (فربما يكون شيء واحد صحيحا بحسب أثر أو نظر وفاسدا بحسب أثر آخر أو نظر آخر) ولا يخفى ان الغرض من التكرار زيادة توضيح المطلب مع التعرض للأمر الاضطراري والظاهري في هذا المقام.