ولا ينافي اختصاص مثل لفظ (كل) بالعموم استعماله احيانا في الخصوص عناية بادعاء ان الخصوص هو العموم أو بعلاقة العموم والخصوص. مثلا إذا قلنا (زيد كل الرجل) فاستعمل لفظ (كل) في الخصوص في هذا المثال اما بادّعاء ان زيدا يكون جميع افراد الرجل ادّعاء وتنزيلا ، واما مجازا بعلاقة العموم والخصوص ، والذوق السليم يجدها من العلائق المصحّحة للتجوز.
فالأول مذهب السكاكي والثاني مذهب المشهور ، إذ المراد من الاختصاص بالعموم ليس عدم جواز الاستعمال إلّا في العموم ، بل المراد من الاختصاص به عدم الظهور إلّا فيه فيكون استعمال مثل لفظ (كل) في العموم بلا عناية وبلا رعاية علاقة. واستعماله في الخصوص يحتاج إلى عناية ورعاية علاقة. فمع قيام الضرورة على اختصاص بعض الصيغ بالعموم لا مجال لدعوى كون ذلك البغض مختصا بالخصوص ، بتقريب ان الخصوص متيقن الارادة سواء كانت مستعملة في العموم أم كانت مستعملة في الخصوص.
أما على الثاني فظاهر. واما على الأول فلأن الخصوص بعض العموم ، وارادة الكل تقتضي ارادة البعض ، وإذا كان الخصوص متيقنا كان أولى بالوضع من العموم ، ولكن لا يصغى إلى هذا التقريب لأنه خلاف الضرورة. وكذا لا يصغى إلى ما قد اشتهر وشاع حتى قيل (ما من عام إلّا وقد خصّ) والظاهر يقتضي كون مثل لفظ ال (كل) حقيقة للغالب تقليلا للمجاز.
ووجه عدم الاصغاء اليه كونه خلاف الضرورة مع ان تيقن الخصوص لا يوجب اختصاص وضع لفظ (كل) للخصوص ، إذ لا ملازمة بين تيقن الارادة وبين وضع اللفظ للمتيقن ، مع ان لفظ (كل) يستعمل في المحاورات ويراد منه العموم كثيرا. فلا وجه للوجه الأول من الاستدلال.
وأما كثرة التخصيص فهي لا توجب كثرة المجاز لعدم الملازمة بين التخصيص والمجازية كما سيأتي توضيح ذلك ، مع ان كثرة المجاز مما لا محذور فيه