ولكن الطريق إلى معرفة انها ملحوظة على ، أي النحوين المذكورين يمكن أن يكون اطلاق الطبيعة المنهي عنها ، إذ مقتضاه كونها ملحوظة بنحو صرف الوجود ، فيكون النهي نظير الأمر ، إذ كما ان اطلاق قول المولى (اضرب زيدا) يقتضي البعث إلى صرف وجود المأمور به في الخارج ، ولا يقتضي التكرار كما سبق في بحث الأوامر. كذلك اطلاق قوله (لا تضرب زيدا) يقتضي الزجر عن صرف الوجود بعد الوجود إذ هو زجر عن الوجود بعد الوجود وليس عن العدم بعد الوجود ، وهذا محال.
نعم ، يكون الغالب في المفسدة ان تكون قائمة بكل حصة حصة ، وفي المصلحة ان تكون قائمة بصرف الوجود ، كما علم من المثالين المذكورين. فلأجل هذا نقول ان مقتضي الاطلاق هو الثاني ، واحتمال الأول يحتاج إلى مزيد بيان.
قوله : ولو كان اطلاق المتعلق من هذه الجهة ...
فنحتاج في الحكم بعموم حرمة المنهي عنه بعد العصيان بالفرد الأول وبالحصة الأولى من الحصص المنهي عنها إلى اطلاق الطبيعة المنهي عنها ، ولا يكفي في هذا الحكم العموم ، والاطلاق من الجهات الأخر مثل الاطلاق من حيث الزمان والمكان ومن حيث آلة الضرب كالعصا والسوط وغيرهما ، والسرّ في ذلك الأمر أن الملحوظ حال الطلب بترك الطبيعة المنهي عنها هو فناؤها في ترك كل فرد من افرادها فقط ، لا فناؤها في ترك كل فرد منها في كل آن من الآنات ، وفي كل زمان من الأزمنة ، وفي كل مكان من الأمكنة ، ولأجل هذا ينحلّ النهي من الناحية الاولى إلى نواه متعددة ، مثلا إذا قال المولى (لا تشرب الخمر) فهو ينحل إلى قوله : (لا تشرب هذا الخمر ولا تشرب ذاك الخمر ولا تشرب ذلك الخمر و ...) ولا ينحلّ إلى (لا تشرب الخمر يوم السبت ولا تشربه يوم الأحد و ...) ولا إلى (لا تشرب الخمر في السوق ولا تشربه في المنزل) مثلا.
قوله : فتدبّر جيّدا ...
وهو تدقيقي ، فان المقام لا يخلو عن الدقة.