اطلاق المنهي عنه نحو (لا تشرب الخمر) مثلا ، أم كان دليلا آخر من الدليل الاجتهادي ومن الدليل اللبي كالاجماع.
فهذا يحتاج إلى التوضيح ، وهو ان الطبيعة المنهي عنها تلحظ على نحوين :
الأوّل : تلحظ الطبيعة تارة بنحو صرف الوجود ، بمعنى قلب العدم إلى الوجود وبمعنى نقض العدم ، واخرى تلحظ بنحو الطبيعة السارية إلى مصاديقها ، فان لوحظت على النحو الأول سقط النهي بالمخالفة ، لأن صرف الوجود لا يتعدّد انطباقه ، وإلّا يلزم انطباق شيء واحد من جميع الجهات في محلّين في آن واحد وهو محال عقلا ، فاذا انطبق على الفعل الذي هو مخالفة نهي المولى وعصيانه ، فقد امتنع انطباقه ثانيا على غير ذاك الفعل ، فلا معنى لبقاء النهي بعد امتناع تحقّق موضوع في ذلك الغير.
وان لوحظت على النحو الثاني كانت كل حصة من الطبيعة المنهي عنها داخلة تحت كراهة مستقلّة ومبغوضية منفردة في قبال الحصة الأخرى منها.
فبالنتيجة : اذا عصى المكلف بفعل المنهي عنه كان عصيانه في الحقيقة عصيانا للكراهة التي تتعلّق بذاك الفرد المأتي به ، فتسقط هذه الكراهة والمبغوضية.
أما الكراهة والمبغوضية فتتعلقان بسائر الحصص ، فهما يبقيان على حالهما في سائرها ، إذ هما مقتضيتان المنع والزجر عن بقية الحصص كما لا يخفى.
فيكون حال النهي مثل حال العام الافرادي في اقتضائه كل فرد فرد من نفسه مع قطع النظر عن غيره ، مثل (اكرم العلماء) لأنه يقتضي وجوب اكرام كل فرد فرد من افرادهم ، فلو عصى المكلف اكرام فرد فلا يسقط وجوب اكرام الفرد الآخر منهم ، فكذا الحال في النهي طابق النعل بالنعل ، يعني أنه لو عصى المكلّف بايجاد الحصة الأدنى من الطبيعة المنهي عنها لسقطت ، واما الكراهة التي تتعلّق ببقية الحصص فهي باقية على حالة الكراهة والمبغوضية في اقتضاء صيغة النهي ، المنع والزجر عنها ، كما لا يخفى.