إنا له لناصحون ومخلصون إخلاصا أكيدا مؤكدا ، وانظر إلى عبارتهم المؤكدة بأن واسمية الجملة ، وتقديم له ، واقتران الخبر باللام. كل ذلك يؤيد ما قلناه من أنهم يشعرون بما في نفس أبيهم بالنسبة لهم وليوسف ، يا أبت أرسله معنا في الغد يرتع كما يشاء ويطيب له من أكل الفاكهة والبقول في الهواء الطلق ويلعب معنا في وقت سرور ونشاط ، ولا تخف إنا له لحافظون حفظا مؤكدا كما ترى من عبارتهم.
ماذا يفعل الأب؟ إنه لموقف حرج جدا ، طلب أبناؤه مرافقة أخيهم لهم في الرعي والنزهة. إنه لطلب جميل ، ولكن ماذا يفعل يعقوب؟ وهو يعلم ما عندهم بالنسبة لأخيهم ، وما يعلمه بالإجمال من رعاية الله للصغير يوسف ، قبل طلبهم على مضض ومع إظهار الكثير من الألم لفراق يوسف.
قال : إنى ليحزنني ذهابكم به وفراقه لي على أى صورة!! وأخاف أن يعتدى عليه بعض أفراد الذئب وأنتم عنه غافلون.
ماذا يجيبون على أبيهم وتخوفه من الذئب؟ أيقولون له لا تحزن؟
وإنما طمأنوه من ناحية الذئب ، قالوا تالله لئن أكله الذئب وهو معنا ، جماعة قوية وعصبة فتية ، إنا إذن لخاسرون وخائبون في ادعائنا أننا عصبة قوية ولا يصح الاعتماد علينا في شيء.
تلك هي المؤامرة التي دبرت ليوسف ، وبقي تنفيذها.
فلما ذهبوا به من عند أبيهم ، وأمكنهم إقناعه واقتنع هو في الظاهر فقط ولأمر ما سلم في فلذة كبده يوسف ، وأجمعوا أمرهم في أن يجعلوه في غيابة الجب المعروف عندهم ليذهب حيث شاء فيستريحوا ويخلو لهم وجه أبيهم نفذوا ما أجمعوا عليه وألقوه في الجب.
ولكن الله العالم البصير الرحمن الرحيم ، لا يترك مظلوما يتخبط بل هو معه وناصره وحافظه ومطمئنه ، أوحى إلى يوسف : لا تخف فالله معك ، وسيظهرك عليهم ، ويذلهم لك ويحقق رؤياك ، ويسجد لك سجود خضوع إخوتك الأحد عشر وأبوك وأمك (قيل هي أمه أو خالته وأمه ماتت) وربك القوى لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لهول الموقف لا يشعرون.