نعم لقد كان في هذا كله عبر ومواعظ وأسرار لا يفهمها إلا السائلون عنها ، هذه آيات ودلائل على أن من يرعاه ربه فلن يشقى أبدا ، ومن يهديه فلن يضل أبدا. انظر لهم في وقت قالوا فيه جازمين مقسمين : ليوسف وأخيه بنيامين أحب إلى أبينا منا ، يفضلهما علينا جميعا ، ونحن له عصبة قوية تقوم له بكل ما يحتاج إليه من أسباب الرزق والحماية والرعاية والكفاية.
إن أبانا إذ أحب يوسف وشقيقه لقد ضل طريق العدل والصواب وضل ضلالا مبينا حيث يحب الولد حبا أكثر لحب أمه ، والمراد ضلاله في الحب لا في العقيدة وهذا حكم منهم على أبيهم جائز إذ حب يوسف وأخيه لضعفهما وصغرهما في السن ولموت أمهما ، ولما كان يأمله في يوسف من عقل وحكمة ، وما فهمه من رؤياه.
ولما استبد بهم الحسد وغلب على عقلهم قالوا بعد التشاور : اقتلوا يوسف حتى لا يلقاه أبوه أبدا أو اطرحوه في أرض بعيدة عنا حتى ينقطع خبره عن أبيه ، إن فعلتم ذلك يخل لكم وجه أبيكم وهذا تعبير دقيق يراد به يكمن لكم كل وجهه وإقباله ، لا يشارككم فيه أحد.
وتكونوا من بعده قوما صالحين ، بهذا زين لهم الشيطان أعمالهم ، ومناهم بأنهم إذا ارتكبوا هذا الجرم يتوبون عنه ويصيرون صالحين عند أبيهم وعند ربهم فاحذروا أيها الناس ألاعيب الشيطان.
قال قائل منهم ـ الله أعلم باسمه ولا حاجة لنا في معرفته ـ قال : لا تقتلوا يوسف فهو أخوكم ، ولكن إذا أردتم التخلص منه حقا فألقوه في غيابات البئر (وهي ما يغيب عن النظر من قعره أو حفرة بجانبه) يلتقطه بعض السيارة (وهم المسافرون الذين يسيرون في الأرض للتجارة) فيتم لكم غرضكم وهو إبعاده عن أبيه حتى يخلو لكم وجهه إن كنتم فاعلين الصواب فهذا هو الصواب.
عبارة القرآن الكريم تؤيد أن يوسف ـ عليهالسلام ـ كان يتمتع بقسط وافر من محبة أبيه ، وكان أبوه يفهم أن هذا يغضب إخوته خصوصا بعد الرؤيا فما كان يستريح إذا غاب يوسف عنه لحظة ولو مع إخوته ، وكانوا يفهمون حرص أبيهم على يوسف.
قال إخوة يوسف ، وقد رأوا ما رأوا : يا أبانا مالك لا تأمنا عليه؟ وأى شيء عرض لك من الشبهة حتى لا تأمنا على يوسف «يكاد المريب أن يقول خذوني» والحال