ترسل معنا أخانا بنيامين كما طلب ، فأرسله معنا نكتل من الطعام ما نحتاج إليه بقدر عددنا : ونكون قد وفينا له بما شرط علينا ، وهو العزيز الذي أكرم وفادتنا ، وإنا يا أبانا لنحفظ أخانا في ذهابنا وإيابنا.
قال يعقوب الشيخ الحزين على يوسف الذي لا يزال يذكره حتى ابيضت عيناه من الحزن : هل آمنكم عليه إلا ائتمانا كائتمانى لكم على أخيه يوسف من قبل؟ على معنى كيف آمنكم على ولدي بنيامين وقد فعلتم بأخيه يوسف ما فعلتم وإنكم ذكرتم مثل هذا الكلام بعينه في يوسف وضمنتم لي حفظه وقلتم : إنا له لحافظون فلم يحصل الأمن والحفظ سابقا فكيف يحصل الآن؟!! يا بنى ما أنتم صانعون به إلا كما صنعتم بأخيه من قبل!!.
وظاهر الكلام يدل على أنه أرسله معهم اعتمادا على حسن الظن بهم وأنه ما كان يرى علامات الحسد والحقد بينهم في هذه اللحظة وتلبية لدعوة الحاجة إلى الطعام.
فالله خير حافظا يحفظ لي ولدي ، ولا يجمع بين مصيبتين لي ، وهو أرحم الراحمين.
طلبوا من أبيهم هذا ساعة وصولهم وقبل فتح أمتعتهم.
ولما حطوا رحالهم وفتحوا متاعهم ، وجدوا بضاعتهم التي أخذوها ثمنا لطعامهم وجدوها ردت إليهم.
قالوا : تأييدا لطلبهم يا أبانا ما نبغى؟ ماذا نطلب زيادة على وصفنا لك من إكرامه وفادتنا وحرصه على راحتنا؟
هذه بضاعتنا ردت إلينا من حيث لا نشعر أليس هذا دليلا على منتهى الكرم؟ وداعيا لأن نوفى له بما طلب.
ونحن إذا ذهبنا ثانية مع أخينا نمير أهلنا ، ونحضر لهم الطعام بلا ثمن ، ونحفظ أخانا بنيامين بعنايتنا ورعايتنا فلا تخش عليه شيئا ، ونريد كيل بعير لأجله ، إذ يوسف كان يعطى كل رجل حمل بعير فقط اقتصادا وتوفيرا ، ونظهر أمامه بأنا صادقون في دعوانا بأن لنا أخا مع أبوينا يخدمهما ، وربما كان ذلك له تأثير عند العزيز.
وذلك أى البعير الزائد أمر يسير على مثل هذا الرجل الكريم الذي لو كان من نسل يعقوب لما أكرمنا هذا الإكرام.