الثمن بضاعة كانت معهم ، وكان يوسف لا يعطى لفرد إلا حمل بعير فقط توفيرا للمؤن.
وجاء إخوة يوسف العشرة فدخلوا عليه ، وهو في أبهة السلطان فعرفهم لما وصل خبر مقدمهم إليه ، ورآهم بعينه ؛ أما هم فلم يعرفوه لتغير حاله واستبعاد أن يكون الطريد الشريد الملقى في البئر عزيز مصر الذي يتحكم في أقوات الخلق ، يا سبحان الله!!
ولما جهزهم بجهازهم أوقر ركائبهم بما جاءوا لأجله من الطعام وأعطاهم ما يحتاج إليه المسافر في سفره ، وكانوا عشرة وطلبوا أكثر من حقهم ، طلبوا لأبويهم ولأخيهم الحادي عشر فإنه بقي في خدمة أبويه الكبيرين. أعطاهم حمل بعيرين بشرط أن يحضروا له أخاهم لأبيهم ليراه. ثم أخذ يجب إليهم المجيء ثانية مع أخيهم بقوله : ألا ترون أنى أتم لكم الكيل الذي تكتالون ، وأريحكم في سعره وصنفه ، وأنا خير المضيفين فقد أحسنت ضيافتكم وجهزتكم بزاد يكفيكم في سفركم زيادة على تجارتكم ، ومن هنا يعلم أن اتهامه لهم بالتجسس بعيد وأخذ رهينة منهم أبعد.
يا بنى يعقوب إن لم تحضروا لي أخاكم كما اتفقنا ، وعدتم تمتارون لأهلكم منعتكم من الكيل في بلادي فضلا عن إيفائه وكماله ، ولا تقربون بلادي فضلا عن الإحسان في المعاملة والضيافة.
قالوا : أيها العزيز سنراود عنه أباه ، ونحتال بكل حيلة ، ونخادعه بكل خدعة حتى يسلم لنا بنيامين الذي يعتز به أبوه فهو خلف لأخيه المفقود ، وإنا لفاعلون ذلك إن شاء الله.
وقال يوسف لفتيانه الذين يتولون الكيل للتجار : اجعلوا بضاعتهم التي جاءوا بها ثمنا للطعام ـ روى أنها كانت جلودا وأدما ـ اجعلوها في رحلهم لكي يعرفوها إذا انقلبوا إلى أهلهم فيكون ذلك أدعى لرجوعهم ثانية حيث يقفون على مدى إكرام العزيز لهم ، لعلهم يرجعون حسبما أمرتهم بذلك طمعا في برنا وحسن معاملتنا. ابتاع إخوة يوسف منه طعامهم ، وهو يعرفهم وهم لا يعرفونه ، وطلب منهم أن يحضروا أخاهم من أبيهم وإلا منع عنهم الكيل .. فلما رجعوا إلى أبيهم بعد هذه الرحلة قالوا بمجرد وصولهم : يا أبانا إن عزيز مصر قد منع منا الكيل بعد هذه المرة إن لم