روى أن اليهود عابت رسول الله بكثرة النساء ، وقالوا لو كان نبيا كما زعم لشغله أمر النبوة عن النساء. وقد لجوا في طلب الآيات كما تقدم ، فرد الله عليهم ليس محمد بدعا من الرسل ، ولقد أرسلنا قبله رسلا وكانوا بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ويفعلون كل ما يفعله البشر (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ) [الكهف ١١٠] وصدق الله فهذا تسجيل في القرآن لا يقبل شكا ولا جدلا (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) وفي الصحيحين أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أمّا أنا فأصوم وأفطر ، وأقوم وأنام ، وآكل اللّحم ، وأتزوّج النساء فمن رغب عن سنّتى فليس منّى»
وأما الآيات المقترحة فتلك نغمة رددها القرآن ورد عليها كثيرا بما يفيد أن الرسول رسول فقط والآيات من عند الله ، وما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله وأمره ، وقد جاءكم القرآن وكفى به معجزة خالدة باقية ثابتة على جهة التحدي والإفحام.
والآيات لا تأتى اعتباطا ولكنها لحكمة وفي زمن ، الله يعلمه لكل أجل كتاب أى : لكل مدة مضروبة ووقت معلوم كتاب مكتوب ، وكل شيء عنده بمقدار (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [سورة القمر آية ٤٩] (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) [سورة الأنعام آية ٦٧] وقيل المعنى : لكل كتاب أجل ، أى لكل أمر كتبه الله أجل معين ووقت معلوم ، فليست هناك آية مقترحة بنازلة قبل أوانها ، ولا عذاب استعجلوه بنازل قبل أوانه ، فالآجال والأعمار والأرزاق والأحداث ، كل ذلك بقضاء الله وقدره ، وله وقت محدود لا يتقدم ولا يتأخر (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [سورة الأعراف آية ٣٤].
يمحو الله ما يشاء من الأحداث الكونية والإنسانية ويثبت ما يشاء من هذا كله في الخارج ، وعنده ـ سبحانه وتعالى ـ أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ ، أو علمه ـ جل شأنه ـ ثابت أزلا لا يتغير ولا يتبدل كل شيء على حسب علمه ووفق إرادته ، والمعنى يمحو ويثبت في الخارج ما يشاء ، وعلمه لا يتغير ولا يتبدل وهو موافق لما في اللوح المحفوظ ، ومظاهر المحو والإثبات نراها في كل لحظة من ليل ونهار ، وشمس وقمر ، ونور وظلام ، وحياة وموت ، وقوة وضعف ، وزرع وحصاد إلى آخر ما في الأحداث الكونية ، هذا المحو والإثبات خاضع لعلمه القديم الذي لا يتغير ولا يتبدل ، وعلى هذا فالآية رد ـ أيضا ـ على اقتراحهم الآيات حيث كان المحو والإثبات خاضع لمشيئة الله ولقانونه الذي وضعه ، وهو لكل كتاب أجل محدود لا يتقدم ولا يتأخر.