أكلها دائم وظلها دائم وفيها الفواكه والمطاعم والمشارب بلا انقطاع ولا فناء (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ. لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) [سورة الواقعة الآيتان ٣٢ و ٣٣] (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) [سورة الإنسان آية ١٤] تلك عقبى الذين اتقوا وهذا جزاؤهم ، وعقبى الكافرين وجزاؤهم ونهايتهم النار التي وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم.
وهذا الذي مضى من وصف الجنة والنار ، وغير ذلك مما نزل به القرآن. الناس فيه على صنفين : مصدق ومكذب ، فالذين آتيناهم الكتاب من اليهود والنصارى وهم قائمون بمقتضاه ، ومؤمنون حقا بما فيه يفرحون بما أنزل إليك من القرآن لما في كتبهم من الشواهد على صدقه والبشارة به.
ومن الأحزاب من ينكر بعضه ، نعم كان من أهل الكتاب عبد الله بن سلام ، وتميم الداري من المؤمنين الكاملين ، وبعضهم كان يتحزب على النبي ويؤلب عليه ككعب بن الأشرف وغيره من زعمائهم ورؤسائهم ينكرون بعض القرآن وهو ما لم يوافق ما حرفوه من كتبهم وشرائعهم المغيرة.
وكيف تختلفون بين مصدق ومكذب؟ وهناك أساس واحد هو الذي يحتاج إليه المرء ليفوز بالسعادة ، وهو ما أمر الله به نبيه فقال : قل يا محمد : إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به شيئا ، إليه وحده أدعو وإليه وحده مآبي ومرجعي ، فهذا هو التوحيد الخالص الكامل ، وتلك الرسالة بإيجاز ، دعوى إلى الله فقط وطاعة وإخلاص وعبادة واستعانة بالله وحده ، وأما المرجع والمآب والحساب والجزاء فإليه وحده أيضا.
ومثل ذلك الإرسال للرسل قديما أرسلناك يا محمد وأنزلنا عليك كتابا هو القرآن وهو كتاب محكم الآيات ، فيه الحكم الحق والقول الفصل ، أنزلناه حكما بلسان عربي مبين فكان مبينا لمقاصده موضحا لمراميه (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [سورة فصلت آية ٤٢].
ولئن اتبعت يا محمد أهواءهم وآراءهم من بعد ما جاءك العلم من الله ـ سبحانه وتعالى ـ فليس لك من دون الله ولىّ ولا ناصر ، وهذا وعيد وتهديد لأهل العلم أن يتبعوا سبل أهل الضلالة بعد الذي وصلوا إليه من الوقوف على أسرار الشرع والإلمام بالسنة النبوية والحجة المحمدية.